IMLebanon

غضب أكبر… عقل أكبر

 

الجنون الذي يحكم عقل القرار لدى العدو هو ما يقوده إلى ارتكاب الجرائم المتواصلة. لا أحد يمكنه أن يصدّق أن عاقلاً يبحث عن مستقبل آمن له، يفعل ما تفعله إسرائيل الآن. وإذا كانت الطبيعة الوحشية لهذا الجنس العاطل من البشر هي ما يتحكّم به، إلا أن أكثر ما يتحكّم بأفعاله اليوم هو الغضب، ولا شيء آخر. وعندما يُشار إلى الجنون، فهذا يعني أن العقل لا يعمل.

 

الغضب الذي يتملّكنا جميعاً إزاء جرائم إسرائيل في غزة والضفة، يدفع بعضنا إلى التخلي عن العقل، ولو للحظات. غالبيتنا تجري تمريناً متخيّلاً. عندما ننظر إلى صور الموت والدمار نفكّر بصمت، أو بصوت خفيض، عن وسيلة تمكّننا من تدمير كيان العدو، وكل الدول الداعمة له. ويحدث أن يعبّر البعض عن رغباته هذه، بالدعوة إلى أعمال لا يقدم عليها سوى المجانين.

وبمعزل عن كل نقاش قائم أو سيقوم حول التقديرات التي بنت على أساسها حركة «حماس» عملية «طوفان الأقصى»، فإن الأسباب العميقة لهذه العملية البطولية، تعكس العجز عن تحمّل مزيد من القهر والموت كلَّ يوم. ولأنها مقاومة مشروعة، يجوز تسمية مع فعلته بالعمل المحسوب، حتى ولو كانت ردّة فعل العدو على ما هي عليه اليوم، إذ لا يمكن للمقاومة، أي مقاومة، أن تكون مردوعة. وكل ما يريده العدو من حربه المجنونة اليوم، هو تعطيل الحلم بمقاومة أكبر، وأن يزرع في عقول الناس وقلوبهم، وفي مقدّمهم المقاومون، الرعب من العقاب والثمن، لردعهم ومنعهم من فعل المقاومة كخيار وحيد لهزيمة هذا العدو الوحش.

 

بدأ جنون العدو يتدرّج صعوداً في الإجرام. وما أظهرته الأسابيع الماضية أن داعمي كيان الاحتلال ليسوا أقل جنوناً ووحشية. يكفي عدم جرأة هؤلاء على وضع حد لعملية الانتقام المتواصلة، ليتّضح، أن العدو يدرك أن رعاته لا يقلّون جنوناً عنه، وهو من كان شريكهم في كل حفلات الجنون الدموية التي رافقت سياسات أميركا وأوروبا في بلادنا في العقود الأخيرة.

 

لكن، ماذا عنّا نحن؟

 

لنتجاوز سريعاً الكلام عن حكومات بلادنا العربية والإسلامية، مباشرة إلى من يعرف أن لا علاج لجنون العدو إلا بقتال دامٍ وقاسٍ. وربما هذا هو جوهر نظرة الجمهور العربي والمسلم إلى حزب الله ورهان هذا الجمهور على دور خاص للحزب في حماية فلسطين ونصرتها. والمشكلة، هنا، ليست في أصل الرهان، بل في أن الجمهور من جهة، وبعض المختصّين من جهة أخرى، يقرّرون من تلقاء أنفسهم كيف يجب أن يكون عليه موقف الحزب. بل ويذهب بعض هؤلاء إلى وضع خطط ميدانية، ويصرّون على أن على الحزب الأخذ بها.

 

أسئلة بديهية تُطرح على المحبّين من هؤلاء:

– هل تعرفون حقيقة ما يجري من تنسيق بين حزب الله وقيادة حماس وبين قيادة المقاومة العسكرية وقيادة القسام، وهل فكّرتم لحظة في نوعية النقاش الجاري بين الجانبين بصورة يومية ومن دون توقّف؟

– هل سبق أن كانت لديكم خبرة في إدارة الحروب مع إسرائيل؟ وألم تفاجئكم المقاومة في لبنان وفلسطين بكل ما تفعل؟

 

هلَّا يهدأ الجمهور المحبّ قليلاً ويتذكّر: هل خذلتنا المقاومة طيلة أربعين عاماً؟

 

– هلَّا فكّرتم، للحظة واحدة، في ما لو أن قيادة القسام استشارتكم قبل تنفيذ عملية طوفان الأقصى، فكيف كان ليكون جوابكم؟ وهل سيبقى الجواب نفسه بعد الذي حلّ بالقطاع؟

 

 

– هل يعرف أحد منكم المتطلّبات العملانية لأي عملية عسكرية، سواء كانت قنبلة أو قذيفة أو صاروخاً أو خلافه؟ هل فكّرتم قليلاً في المتطلّبات اللوجستية لمقاومة بحجم حزب الله إن قررت التحرك بهذا الشكل أو ذاك؟ وهل بينكم من يعرف طبيعة الحرب التي ستقوم في حال توسّعت الجبهة إلى أقصى حدودها، أم أنكم تعتقدون أن الأمر لعبة لوحة أزرار يضغط عليها القائد على الهواء مباشرة؟

– من قال لكم إن ما تقوم به المقاومة لا يغضب العدو ويحدّ من حركته، وكيف تتجاهلون أن جبهة تنظرون إليها باستخفاف قدّمت حتى الآن نحو ثمانين شهيداً؟

– ألا تشعرون بأن هذا النوع من السجال مع المقاومة في لبنان بات يتجاوز «لفتة محبّ أو غيور» أو حتى «غضب متأثّر بما يجري»؟ ولماذا تتحدّثون وكأنّكم مفوّضون من الشعب المسحوق في غزة؟

ثمّة نقاش كبير حول ما يجري، لكن، يجب أن يتصرف الجمهور، خصوصاً المحبّين منه للمقاومة، بأنه في حالتنا، وحين يكون القهر كبيراً، فإن الغضب الذي يتملّك الحواسّ لا يمكن أن يفرض نفسه على العقل. العقل الذي خبرناه أربعة عقود لم يخذلنا، ولم يفعل إلا ما كان صائباً. وهو كان وسيبقى محلّ ثقة أهل المقاومة أينما وُجدوا!