تقول وزيرة الإعلام منال عبد الصمد إنّ لا داعي لإستقالة الحكومة، لأنّ من فيها يقوم بواجباته على أكمل وجه. وهي على حقّ.
لكن ما لم تقُله منال، هو أنّ الإستقالة، والمعروف أنها عملية فعل إرادي، غير متوفرة أصلاً لهذه الحكومة. فمن أتى بها يُقرّر مصيرها، أي، يقوم بفعل إقالتها عندما تتطلّب مصالح مِحوره ذلك. ولا تُتاح لرئيسها حسان دياب حتّى فرصة إلقاء خطاب، يتوسّع في مضامينه وِفق أسلوبه الممجوج والمُمِلّ، والحافل بالاتّهامات التي تتربّص بالإنجازات، لتنال من التأييد الشعبي الهائل الذي يُصرّ على أنّه يتّمتع به.
أما البهلوانيات الطالعة من طرابين حبق الممانعة، والرامية الى مُناشدة ضمير دياب الوطني، علّه يستفيق ويتعالى عن متعة النوم في السراي، فيُضحّي لإنقاذ البلد، فهي حتى السّاعة لا تتجاوز التضليل للإلهاء، في حين يتواصل العمل الوحيد المُفيد لأدوات مِحور المُمانعة، الذين يسحبون البلد الى حيث يجب أن يكون.
فمن اختار دياب، كان يُريد لسعر صرف الدولار أن يجنّ ويقفز الى سقوف جنونية تقتل الليرة اللبنانية، وكان يُخطّط ويرسم لعزل لبنان ديبلوماسياً عن العالم، كذلك لتعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وهو على فِكرة لم يُغيّر بنك أهدافه، واختار دياب بناء على ذلك، لمعرفته أن الرجل لا يُمكن أن يستقيل، فهو أصلب من التحدّيات المصيرية. واستلحاقاً، لن تُزعزعه مواجهة التفاصيل التافهة، كفقدان السلع الأساسية والأدوية والوقود وانقطاع الكهرباء 24/24.
فاختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، يؤمّن الوتيرة السريعة للإنهيار المنشود، وما الى ذلك من كوارث ونكبات، قد تدفع أي رئيس حكومة غيره الى الإستقالة، ما كان من شأنه أن يُعرقل خطة “حزب الله” وخطواته المتسارعة شرقاً، مع العمل الحثيث لإلغاء أي خيار آخر.
ولا يتعلّق الأمر بالسيولة والعملة الصعبة وشروط الصين التي لا تُؤمِن بالهبات والمساعدات، والتي لا تتخلّى عن مراعاتها الضمنية لما تريده الولايات المتحدة.
فشرقاً في جغرافية “الحزب”، لا يعني بالضرورة أبعد من طهران. ليس مطلوباً أن يكون التوجّه أبعد، لا سيما اذا كان الهدف المقايضة المُثمرة والمُجدية، التي لا تنحصر بالبواخر الموعودة لتحمل الفيول والغذاء والدواء مُقابل الليرة اللبنانية التي تعود الى جيب “الحزب”، فيتدبّر بها أمور “أشرف الناس”.
العملية أخبث بكثير، ولا حدود لها. وربما تصل المُقايضة الى التراب، على امتداد مشاعات الحدود الشرقية، وفي بعض النقاط الحساسة. فما يُريده المحور للبنان لا يختلف مصيراً استراتيجياً عمّا يرتكبه في سوريا، من تغيير ديموغرافي مدروس ومُمنهج وشراء للأراضي والعقارات ومرافق الدولة.
وعندما يكتشف مُتأخّراً من يكتفي بردود فعل كلامية قاصرة، كلّما استولى المحور على جزء من السيادة بانتظار استكمال السيطرة، يكون السيف قد سبق العذل. وعندما تنتهي حكومة دياب، تكون قد قامت بواجباتها على أكمل وجه، ومهّدت كما يجب لتسهيل تنفيذ المرسوم والمحتوم. ولا يهمّ إن استقالت أو أقيلت. حينها، يكون قد فات الفوت، ولم يعد ينفع الصوت.