إعتمد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط خيار «مهادنة» حكومة الرئيس حسان دياب، اقلّه في مرحلة خضوعها الى «الروداج». فما هي الاعتبارات الحقيقية التي دفعته الى هذه المرونة على رغم من انّ الحكومة تحمل لوناً واحداً؟
إنطلق جنبلاط في براغماتيته من معادلة عملية فحواها أنّ وجود اي حكومة هو، في المبدأ، افضل من الفراغ، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية – المالية المستفحلة.
ولعلّ جنبلاط، الذي استشعر التداعيات المتعدّدة الأبعاد لهذه الأزمة على الواقع اللبناني، بدءاً من عقر داره في الجبل، بات يتهيّب المخاطر الاكبر التي يمكن ان تترتب على الانهيار الشامل والكامل، اذا حصل، ما يفسّر جانباً من الدوافع الكامنة خلف خياراته في هذه المرحلة، بحسب استنتاجات بعض المتابعين.
وبهذا المعنى، فإنّ جنبلاط لم يمانع من اعطاء الحكومة الجديدة فرصة لمعالجة هذه الأزمة، أو على الاقل لإدارتها بأقل الخسائر الممكنة، بمعزل عن تركيبة مجلس الوزراء. بالنسبة اليه الاولوية الآن هي للإنقاذ، حتى لو اتت به العفاريت، فكيف اذا كانت الحكومة تضمّ عدداً من اصحاب الكفايات، وفق ما أقرّ به في احد تصريحاته.
لكن هذا الاعتبار المتصل بالوضع العام لا يفسّر وحده ليونة جنبلاط، ذلك انّ الذين اشرفوا على «الهندسة الوزارية»، راعوا ايضاً خاطره في التمثيل الدرزي وحرصوا على عدم استفزازه، علماً انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كان من اكثر المتحمسين لمداراة جنبلاط في التشكيلة الحكومية، بغية استمالته او تحييده بدلاً من دفعه الى موقع الخصومة المبكرة لهذه الحكومة التي تحتاج الى توسيع دائرة داعميها او المتفهمين لها، قدر الامكان.
واذا كان الحزب التقدمي الاشتراكي يؤكّد انّه ليس هو من سمّى مباشرة منال عبد الصمد للإنضمام الى الحكومة، إلاّ انّ الواضح انّ تسميتها، أياً كان مصدرها، راعت المزاج الجنبلاطي الى حدٍ كبير وبالتالي تركت اصداء ايجابية في قصر المختارة، من دون ان تستفز دارة خلدة والنائب طلال ارسلان.
لقد انطوى اختيار عبد الصمد لوزارة الاعلام على رسالة واضحة الى وليد جنبلاط، مفادها أنّ القوى التي تقف خلف التأليف لا تريد استعداءه او استبعاده، بل يهمّها ان يكون راضياً ومرتاحاً الى التمثيل الدرزي، بعيداً من اي هواجس.
صحيح انّ عبد الصمد ليست حزبية، ولا تنتمي تنظيمياً الى صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي، لكن الصحيح ايضاً انّها، كما عائلتها، ليست من بيئة معادية له، بل هي متعاطفة معه وقريبة من القيادة الجنبلاطية، التي تبدي التقدير لشخصية وزيرة الاعلام وتعتبر أنّها تملك سيرة ذاتية لامعة، سواء على المستوى الاكاديمي أو على مستوى دورها في وزارة المال، التي كانت تشغل فيها مركز رئيسة دائرة التشريع والسياسات الضريبية في مديرية الضريبة على القيمة المضافة.
ويروي العارفون، انّه سبق لوليد وتيمور جنبلاط ان منعا النيل من «الموقع الوظيفي» لعبد الصمد في وزارة المال، وتولّيا حماية حقوقها في مواجهة محاولة للانتقاص منها، ضمن منافسة غير مشروعة، وذلك لأنّهما كانا مقتنعين بجدارتها وكفايتها استناداً الى معياري الاقدمية والخبرة اللذين تتحلّى بهما، وهذا ما دفعها لاحقاً الى زيارة قصر المختارة لشكر تيمور جنبلاط على إنصافها، وبالتالي فانّ صورها معه، والتي تمّ نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد توزيرها، انما تمّ التقاطها خلال زيارة الشكر تلك.
وأبعد من هذا العامل تحديداً، تؤكّد مصادر قيادية في الحزب التقدمي الاشتراكي انّ موقف جنبلاط بإعطاء فرصة للحكومة هو منطقي، «لأنّه لا يصح الحكم عليها إيجاباً أو سلباً قبل اختبارها ومراقبة سلوكها».
وتوحي المصادر، أنّ جنبلاط سيتعامل مع الحكومة «على القطعة»، فيؤيّدها عندما تحقق انجازاً ويعارضها حين ترتكب خطأ. موضحة انّ جنبلاط يأمل في إعادة الانتظام المفقود الى لعبة الموالاة والمعارضة بعدما اختلط الحابل بالنابل في السابق.
وتشير المصادر، انّ الحكومة تعكس لون فريق الاكثرية النيابية الذي سيتحمّل في نهاية المطاف مسؤولية عملها، إلاّ انّ ذلك لا يجب ان يكون حائلاً دون ان تحصل على فرصتها، «لعلّ وعسى»، خصوصاً انّ بعض اعضائها هم من الاختصاصيين الذين لديهم جدارة.
وتعتبر المصادر، انّ الحكم النهائي على الحكومة يرتبط بطبيعة بيانها الوزاري وبالنهج الذي ستعتمده لجهة ما اذا كانت ستحارب الفساد حقاً وستطبّق الاصلاحات المطلوبة بشفافية، أم انّها ستتبع سياسة تصفية الحسابات، فتلجأ الى الكيدية في المحاسبة والاستنسابية في فتح الملفات.
وتضيف: ما علينا سوى ان ننتظر ونراقب.