لم يكن أحد يتوقع أكثر مما خرجت به القمة العربية في المنامة فلسطينيا، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن أوان إنهاء الحرب على الشعب الفلسطيني لم يحن بعد.
وإذا كانت لافتة للانتباه اللهجة المتصاعدة عربيا لإنهاء العدوان، يبدو واضحا أن القمة افتقرت للأدوات التنفيذية التي تجبر حكومة التطرف الإسرائيلي على وقف عدوانها، فكان أن لجأت القمة إلى التحضير لليوم التالي مع تشديد على حل الدولتين، مع طلبين جديدين هامين هذه المرة: مؤتمر دولي وقوات أممية.
لا عداء فتحاويا لـ”حماس”
جاء ذلك وسط تصاعد التوتر ظاهريا بين السلطة الفلسطينية، وعمادها حركة “فتح”، وحركة “حماس”، بعد خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القمة، الذي وجه سهاما جارحة للحركة محملا إياها مسؤولية ما آل إليه وضع الشعب الفلسطيني بعد ما نفذته الحركة في عملية 7 أكتوبر.
لم يكن الأمر في حاجة إلى خطاب عباس ليطفو السجال على السطح من جديد، فالموقف بين الحركتين على تناقض في كل شيء تقريبا بما فيه موضوع “اليوم التالي” في غزة (اليوم الذي لا يبدو سيأتي قريبا) بعد إنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني.
إستدعى الأمر ردا من “حماس”، وهذا طبيعي، لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن ما يظهر على الإعلام لا يعبر عن عمق التوتر بقدر ما يمثل انعكاسا لمدى الإحتقان المزمن بين “فتح” و”حماس”.
في خطابه إتهم عباس “حماس” بتوفير الذرائع لإسرائيل لكي تقوم بتلك المأساة سابقا. وبمنع الوحدة الفلسطينية حاضرا.
إلا أن متابعين لأروقة القمة، خاصة المطلعين منهم على الموقف الفلسطيني، يشيرون إلى أن هذا التوتر ليس كما يظهر في الإعلام ويخرج في البيانات، على دلالات ذلك، بل أن الوفد الفلسطيني و”فتح” لا يعاديان “حماس” واليوم تبدو القضية الفلسطينية برمتها على المحك والمطلوب توحيد الموقف الفلسطيني وليس بالضرورة فرض الوحدة الفلسطينية من فوق.
فالمهم اليوم هو إنهاء الحرب أولا ورفع الحصار، والشروع في حوار جدي يفضي إلى الخروج بآلية تفاوضية إستعدادا لما يُحضّر للقضية الفلسطينية وتعزيزا لمطلب المؤتمر الدولي.
هنا يشير متابعون إلى جهد لإضافة راعيين كبيرين إلى الراعي الأميركي وهو الأساس، والحديث هنا عن روسيا والصين، الأمر الذي تؤيده الدولتان في الوقت الذي لا يعطي فيه الأميركي موقفا حاسما من المؤتمر.
والحال أن كل من في القمة ومحيطها يعلم تماما أن من الصعوبة بمكان إنهاء العدوان في هذه اللحظة الدقيقة.
كل ما في الأمر هو التحضير لما هو بعيد الأمد وحشد التأييد له عبر مواقف تتعزز مع الوقت. وهذا ما هدفت إليه كل المطالبات مثل حل الدولتين ووضع السقف الزمني لذلك، والمطلب المتقدم بقوات أممية في الأرض الفلسطينية حتى تحقيق الدولة.
أما لماذا لا يتمكن العرب من تحقيق ذلك في هذه اللحظة السياسية؟ فالمشكلة اليوم أن الجميع في مرحلة انتظار، ولا آلية تطبيقية وواقعية للحل مهما علت الصرخة للعالم. فيمضي الإسرائيلي في وحشيته من دون رادع، ويرفض الأميركي ممارسة الضغط الحقيقي لوقف هذه الوحشية. وتصبح كل الخطط العربية آمالا فلسطينية لحل دولي مؤجل.
مؤتمر مدريد للسلام
فقبل نحو 33 عاما، تمكن الفلسطينيون من انتزاع شرعية تمثيلية في مؤتمر مدريد للسلام بعد انتفاضة شعبية عارمة في الأراضي المحتلة أجبرت المحتل على الإعتراف بالكيان الفلسطيني. لكن حدثين جللين أضعفا موقف الفلسطينيين هما بداية إنهيار المعسكر الإشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفياتي الذي حصل فعلا بعد مدريد بقليل، وغزو الكويت الذي تلاه سقوط العراق فعليا قبل أن يسقط عمليا في العام 2003..
لكن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الظروف العربية اليوم ليست أكثر سوءاً من تلك في العام 1991 حين خسر العرب سندهم الدولي لكن الفلسطينيين تمكنوا من وضع اللبنة الأولى لشرعيتهم على الأرض المحتلة. وطالما أن المؤتمر الدولي يلقى اليوم إهتماما عربيا وتشجيعا للفلسطينيين من قبل العرب على التواصل والحوار، ووسط جدية فصائلية لدعم المقاومة في وجه المحتل في غزة والضفة، ثم توحيد الموقف لآلية في إطار “منظمة التحرير الفلسطينية” على طريق دولة في غزة والضفة، عندها يمكن الرهان على مستقبل أفضل لهذا الشعب مع استمرار المقاومة للعدوان الإسرائيلي وإفشال أهدافه.