Site icon IMLebanon

مانشستر ومركز الرياض

الفارق بين «القاعدة» و«داعش» في استخدام التقنية. الأولى ِشبه اندثرت٬ لأنها قررت وقف استخدام الإنترنت ومنتجاته الحديثة٬ بعد أن أدركت أنه يمكن أن يك ِشَفها٬ أما داعش»٬ كجماعة سرية٬ فقد برزت على حساب التقنية٬ ووضعت معظم نشاطاتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

نظرياً٬ُ يفترض أن التقنية تُد ّل عليها وتفضحها٬ لكن اتضح أنها غالباً تسبق أجهزة الأمن العالمية بخطوة منذ أن استعانت بوسائل التواصل فردياً عن ُبعد مع المتحمسين لرسالتها. وهذا ما حدث في جريمة مانشستر٬ كما يبدو من التفاصيل الأولية. «داعش» جند شاباً صغيراً وهو في بيته في مانشستر دون الحاجة إلى أن يسافر إلى الرقة في سوريا. يسعى الأمن لكشف الإرهابيين٬ واستباق عملياتهم لإجهاضها٬ من خلال اختراق التنظيمات بد ِّس عملاء داخلها٬ أو رصد الاتصالات والرسائل الإلكترونية٬ لكن يبدو أنها لم تعد تنفع بدليل تكرر العمليات الإرهابية في أوروبا.

هناك حدث نوعي مهم له علاقة٬ فقد دشن قبل أيام في السعودية مركز متخصص في مكافحة الفكر المتطرف. ومع أن هناك نحو ألف مركز منتشر في العالم يحمل العنوان نفسه٬ أو متخصص في شؤون الإرهاب٬ فإن «اعتدال»٬ وهذا اسمه المخَتصر٬ مختلِف عنها. فهو عبارة عن رادار ضخم٬ يقوم إلكترونياً برصد النشاطات التفاعلية٬ وتحديداً على وسائل التواصل الاجتماعي. يقرأ مليارات الرسائل المتداولة٬ ويفرزها٬ ويصنفها٬ ثم تتم مراجعتها وتحليلها بشرياً بنا ًء على ذلك. المركز يتولى مهمة التعرف على المفاهيم والدروس والفتاوى٬ ويتمّيز بأنه يستطيع تمييزها بلهجاتها المحلية٬ حيث إن معظم ما ُيَتَداول كتابةً أو نطقاً بعشرات اللهجات المختلفة. التدخل برصد الخطير منها وملاحقته أو توجيهه أو مناقشته. ُيفَت َرض أن يسد المركز الفراغ الكبير في الفضاء الإلكتروني الذي يتسيده المتطرفون.

ذئب مانشستر واحد من مئات٬ ربما آلاف مثله في العالم الافتراضي. ومع مثله تواجه أجهزة الأمن تحديات صعبة مع تقدم الإرهابيين في الوسائل والتكتيك. الأمنيون يصيخون السمع للاتصالات٬ ويقرأون الرسائل٬ ويراقبون عمليات بيع الأسلحة٬ وكذلك المواد المكِّونة لها٬ ويجمعون المعلومات من مخبريهم على الأرض الذين يخاطرون بحياتهم. في المقابل٬ تطور تنظيم داعش وعرف وسائل المصم وصار ينتشر إلكترونياً٬ يفتش عن فرائسه وفق مواصفات تناسب أهدافه. يتواصل معهم فردياً٬ وهذه أساليب تقلل احتمالات كشفها أو اختراقها. وكل ما عليه٬ بعد التواصل مع العشرات من الأولاد المغَّرر بهم مسبقاً٬ يتم توجهيهم٬ وغالباً سيجد واحداً منهم مستعداً للقيام بالجريمة٬ بحزام ناسف٬ أو سلاح ناري٬ أو ُيكلَّف باستخدام سيارة سلاحاً لدهس المارة٬ أو حتى سكين مطبخ.

الإخفاق الحقيقي ليس في العجز عن اكتشاف المجرم قبل ارتكاب جريمته أو إجهاض العملية الإرهابية٬ بل قبل ذلك في بناء سد كبير لوقف هذا السيل الهادر من إشاعة التحريض والكراهية. وليست حالة عامة في مجتمعات المسلمين كما ُيقال٬ وليس صحيحاً أن انتشار الكراهية والجريمة نتيجة لمعاناة المسلمين القابعين في «الغيتو» الأوروبية٬ أو خاصة بالغاضبين من ممارسات أنظمتهم في بلدانهم الإسلامية. هذه كلها أعذار لتبرير الإرهاب. هناك حالات مماثلة تماماً لها تعيشها جاليات من أتباع ديانات أخرى مثل السيخ والهندوس والبوذيين٬ لماذا لا نراهم يلبسون الأحزمة الناسفة احتجاجاً أو تط ُّهراً؟ حتى شباب المسلمين من الأجيال السابقة لم يكونوا يرتكبونها٬ فلماذا المسلمون ولماذا أجيال اليوم؟ ببساطة فتشوا في الثقافة السائدة. وانتشار التطرف في برمنغهام ومانشستر البريطانيتين أسهل من انتشاره في السعودية ومصر٬ لأن القوانين صارمة في الثانية ومتساهلة في بريطانيا. كلمة أخيرة: إن محاربة التطرف أهم من محاربة الإرهاب.