لامَ عددٌ من الأطراف السياسية رئيسَ المجلس النيابي نبيه برّي لإعلانه مواقفَ متفائلة بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي.
مرَدُّ اللوم أنّ كلّ الطرُق الداخلية التي توصِل إلى مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا تزال مقفَلة، وهو ما جعلَ الرئيس أمين الجميّل مثلاً يُفسّر موقفَ المتفائلين بأنّه محاولة لحرفِ الأنظار عن ردود الفعل الصافية التي واكبَت التمديد الثاني.
قد تكون هجمة الاعتبارات التي ساقها المتشائمون حيال عدم وجود مبادرة جديدة للأطراف الداخلية توحي بتبدّلٍ ما يسمح بإحداث اختراق جدّي وحقيقي. لكنّ برّي وفي معرض كلامه العلني، وحتى في ما يُدلي به في لقاءاته البعيدة عن الإعلام، تحدّث بوضوح عن مؤشرات إقليمية توحي بالتفاؤل في حال اكتمالها، حيث يعلم الجميع مدى التأثير الإقليمي في ملفّ الرئاسة اللبنانية.
صحيح أنّ أيّ مواقف لم تصدر بعد الاجتماع الذي ضمَّ وزراء خارجية الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي وإيران يمكن الاستناد إليها، إلّا أنّ الإشارات الصادرة يمكن أن تنبئ بتطوّرات إيجابية قد يستفيد منها لبنان في حال أحسن المسؤولون اللبنانيون التعاطي معها.
وفيما كان الاجتماع الأميركي – الأوروبي – الإيراني منعقداً، كانت سلطنة عمان، الدولة المضيفة، تعلن قرارَها إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية. بالتأكيد لم يكن التوقيت بريئاً، لا بل إنّه يعكس وجود بداية تفاهم على الملف السوري، الذي يشكّل أحد أبرز الملفات الخلافية مع إيران. وبالتأكيد لم تكن إشارة سلطنة عمان هي الوحيدة التي يمكن البناء عليها. ذلك أنّه برزَت أخيراً على الساحة العربية إشارات أخرى لا تقلّ أهمّيةً إزاء سوريا.
فالرئيس المصري عبد الفتّاح السياسي، وبالتفاهم مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قطعا أشواطاً في محادثاتهما مع الرئيس السوري بشّار الأسد تحت عنوان محاربة إرهاب المجموعات الإسلامية المتطرفة، وبدا أنّ السيسي المتفاهم والمتحالف مع المملكة العربية السعودية نجح في إضفاء بعض الليونة على مواقف المسؤولين السعوديين الكبار، الذين بدأوا يواجهون عمليات إرهابية تحمل طابعاً مؤذياً للتركيبة السعودية الداخلية، إضافةً إلى إعلان أوباما بدءَ المرحلة الجدّية من الحرب على «داعش»، ما يعني أنّ مرحلة الاستنزاف للإفادة من «داعش» قد شارفَت على نهايتها. طبعاً، من المبكر المبالغة والإفراط في البناء على ما يحصل، إلّا أنّ من السذاجة في مكان، إشاحة النظر عنه.
وفي الصين، لقاءٌ بعد طولِ جفاء بين الرئيسَين الأميركي والروسي باراك أوباما وفلاديمير بوتين، وأوضحَ البيت الأبيض أنّ هذا اللقاء تطرّقَ إلى
أوكرانيا وإيران وسوريا. ولا حاجة للاجتهاد، فالبيان الرسمي ربَط هذه الملفات بعضها ببعض في وضوح.
وفي الأوساط الديبلوماسية الغربية، آمالٌ تلامِس حدود المعلومات بأنّ شيئاً ما سيعلن في 24 الجاري، موعد انتهاء المفاوضات بين إيران والدوَل الستّ حول البرنامج النووي الإيراني. إيران متمسّكة بحقّها في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، وهي أعلنَت عن اتّفاق جديد مع روسيا في هذا المجال. وواشنطن لا تعارض ذلك شرطَ وجود ضوابط في هذا الشأن.
وفي باريس، كلامٌ عن صدور إعلان نيّات أو مبادئ عامّة مع إيران في هذا الشأن، وأنّ الظرف الأميركي الداخلي لم يعُد يسمح بمزيد من المناورات. لكنّ الأوساط الديبلوماسية تبدو حذرةً تجاه ما يمكن أن يحصل، لأنّ التجارب السابقة تفرض عدمَ البناء على الآمال إلّا بعد حصولها، خصوصاً أنّ اللاعب الإيراني أثبَت براعتَه في التفاوض وصعوبة انتزاع موافقته، أضِف إلى ذلك أنّ النزاع الداخلي ما بين الرئيس ومجموعة «الإصلاحية» والمرشد ومجموعة «المحافظة» ما يزال كبيراً، ما يعني صعوبة ضمان الأمور إلّا بعد حصولها رسمياً.
ويقال إنّ السعودية تنتظر بدورها ما سينتج عن اجتماع 24 الجاري لتبنيَ على أساسه، مع الأخذ في الاعتبار تراجعَ حدّة التخاطب والتراشق بينها وبين إيران.
وتأكيداً لجدّية ما يحصل، ردود التنظيمات المتطرفة، خصوصاً في سيناء ضد الجيش المصري، وفي القراءة الأوّلية أنّ المجموعة التي أعلنَت ولاءَها لتنظيم «داعش» وجَّهت رسائل اعتراض تحذيرية إلى السلطات المصرية.
أمّا على الجبهة الفلسطينية، فاشتعلت المواجهة بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس»، ولو أنّ لذلك ظروفاً إضافية أبعد من التطورات على المستوى السوري.
وانطلاقاً من هذه القراءة، ارتفعَ منسوب الأمل في الداخل اللبناني بعض الشيء. والواضح أنّ جملة مؤشّرات داخلية ساهمَت بذلك:
1- القضاء على البنية التحتية للخلايا الإرهابية، خصوصاً في طرابلس التي شكّلت مصدر قلق في المرحلة الماضية، حيث حصلَ ذلك بدعم تيار «المستقبل» والسعودية وغطائهما، في مقابل اعتراف «حزب الله» الواضح بلسان أمينه العام السيّد حسن نصرالله.
2 – البدء بالتحضير للحوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، ولو أنّ الرئيس سعد الحريري شكّلَ لجنة داخلية من أبرز معاونيه لإشباع هذه الخطوة درساً من جوانبها كافّة، والشكل الذي سيتّخذه هذا الحوار ولكي لا يكون حواراً من أجل الحوار.
لكنّ هذه الحركة الداخلية يمكن أن تنبئ بشرط واحد، وهو تحقيق خطوات ملموسة على صعيد الملف النووي الايراني، وإحراز تقدّم حاسم في الملف السوري، وهو ما تبدو مصر ملتزمةً به.
من هنا كلام رئيس الحكومة تمّام سلام عن أنّ مفتاح الحلّ في لبنان يأتي من خلال تسوية على الملفّ النووي الإيراني. ومن هنا موجات التفاؤل التي ضخّها برّي في الإعلام على الرغم من أنّه يُحاذر الاستفاضة في ما لديه من معلومات أمام زوّاره.
الديبلوماسيون الغربيون ما زالوا مقتنعين بأنّ المناورة الكبيرة الحاصلة في المنطقة تمسِك بخناق لبنان، على الرغم من أنّهم واثقون في نهاية الأمر من أنّ النظام السوري لن يغامر بسقوط المسرح اللبناني لأنّه يشكّل الرئة الوحيدة التي يتنفّس منها، وأنّ مصلحة «حزب الله» الحيوية تبقى في استمرار الدولة اللبنانية لأنّها تشكّل درع حماية له.