وضع المنطقة مهتزّ بشكل عام؛ دول لا تُحسد على حالها، وأخرى لم يبقَ منها سوى الإسم، وبعضها إما مأزومة في داخلها، وإما مع جيرانها وأخواتها، وإما تابعة فاقدة لزمام أمرها، وإما متهالكة وقدراتها متآكلة، وإما صارت ساحة ينخرها الإرهاب تحت عناوين ومسميات مختلفة، دول تعاني الانكسارَ والتهميشَ وتكاد تفقد نفسَها وتصبح بلا حدود ومهدّدة بمصيرٍ أسود يزيلها عن الخريطة!
هي صورة سوداء، يرسمها سفيرُ دولة كبرى في معرض تقييمه لما آل إليه الوضعُ في دول الشرق العربي، الذي يتقلّب منذ سنوات فوق صفيحٍ حارق. وما زاد من اشتعاله، كما يقول السفير، هو انخراطُ بعض دول المنطقة طوعاً أو كرهاً في حفلة الشواء التي أُعدَّت لها كلها من المحيط إلى الخليج. والى حدٍّ أنه مع هذا الانخراط وما نتج عنه من اهتراء وتفكّك في تلك الدول، لم تعد هناك إمكانية للعودة إلى الوراء؛ الى زمن الاستقرار والرخاء الذي أصبح من الماضي.
هذه الصورة السوداء التي يلقيها السفير المذكور على واقع المنطقة، يقول إنها مرشّحة لأن تكون أكثرَ تعقيداً في مساراتها السياسية والميدانية، وربما أكثر سخونة من أيّ وقت مضى، وهذا أمر طبيعي مع الضعف الذي تعانيه، والذي شرّع البابَ على محاولاتٍ دؤوبة من قبل بعض الدول الكبرى وحلفائها في المنطقة، لخلق تطوّراتٍ ووقائع تمهّد لما تسعى الى إحداثه من تحوّلات وتبدّلات جذرية، في صورة المنطقة، وبالتأكيد لمصلحتها والسيطرة على مقدّراتها.
الى أين تسير المنطقة؟
«أشعر بعدمِ اطمئنانٍ في هذه الفترة» يقول السفير، و»لن أكون متفاجِئاً بالهواجس التي يمكن أن تنتابَ البعض حول مستقبل الشرق، وما هو محضّر له».
هنا، يتوقف السفير عند المناورات الأميركية – الإسرائيلية التي بدأت في إسرائيل والتي تحاكي حرباً إقليميّةً وتحديداً مع إيران و»حزب الله». ويقول: «ليس في الإمكان فصل هذه المناورات عن تلك المحاولات الهادفة الى فرض متغيّرات في المنطقة».
ما يلفت في كلام السفير قوله «نحن نضع كل الاحتمالات أمامنا، ونشعر أنّ هناك مَن يفكّر دائماً ويحضّر باستمرار لعملٍ ما، لكنّ قراءتنا لواقع المنطقة وما يتّصل بها إقليمياً ودولياً، يجعلنا نضع احتمالَ الانفجار في أسفل قائمة الاحتمالات، وخصوصاً أنّ كل اللاعبين الإقليميين والدوليين يدركون أنّ حصول الانفجار سيؤدّي حتماً الى أثمانٍ وأكلافٍ باهظة على الجميع، وقد لا يستطيع بعض الأطراف أن يتحمّلها».
أما لماذا احتمال الانفجار ضعيف؟ فيجيب السفير قائلاً: هناك صورتان، الأولى، الاميركيون وحلفاؤهم أشعلوا الحرب على سوريا لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية، وهي إسقاط سوريا جيشاً وحكومةً وتقسيماً، إخراج إيران من المعادلة في الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا ولبنان، وتدمير «حزب الله» وشلّ قدراته القتالية. وقد يُقال إنّ هذه المناورات تمهّد لعمل عسكري أميركي إسرائيلي ضخم في المنطقة، لتعويض الفشل في تحقيق تلك الأهداف ورسم خريطة جديدة في المنطقة.
هذه الصورة دونها حرب كبرى، وآثارها ستكون تدميرية على المهزوم فيها، وربما الكابح لهذه الحرب هو أنّ المحور المستهدَف، صار أقوى بكثير ممّا كان عليه في بداية الأزمة السورية في العام 2011، وتحديداً إيران و»حزب الله» الذي تطوّرت قدراتُه وتعاظمت بشكل كبير باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، يُضاف الى ذلك دخول القوة الروسية الى المعادلة.
وأما الصورة الثانية، يقول السفير، وهي أنها مناوراتٌ دفاعية، أكثر منها هجومية، فإذا ما تعمّقنا أولاً بمسلسل المناورات التي تتالت منذ العام 2006 وحتى اليوم، يتبيّن أنها، باعترافات المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية فشلت في تحقيق المراد منها، أي حماية الجبهة الداخلية.
ثمّ إنّ هذه المناورة الضخمة، تأتي في ميزان قد تبدّل في المنطقة، ولم يعد مختلاً بالكامل لمصلحة إسرائيل عسكرياً، وفي ظلّ «الهزيمة المعنوية» الموجعة التي مُني بها سلاحُ الجوّ الإسرائيلي بعد إسقاط مقاتلة الـ»اف 16» من قبل الدفاعات السورية. بضاف الى ذلك القلق الذي يسود المجتمع الإسرائيلي من صواريخ «حزب الله».
كل ذلك، يجعل من هذه المناورة دفاعية أولاً، القصد منها حماية الداخل الإسرائيلي، وطمأنة المجتمع الإسرائيلي، ورفع المعنويّات، وخصوصاً لسلاح الجوّ. أنا أميل الى هذه الصورة، يقول السفير، لأنني على يقين لو أنه كانت هناك قناعة مطلقة لدى الأميركيين والإسرائيليين بأنّ في الإمكان حسم الحرب ضد محور المقاومة، وبالتحديد مع «حزب الله»، لما تأخّروا ثانيةً واحدة عن القيام بأيِّ عملية عسكرية ضده، بل لما انتظروا الى اليوم ليقوموا بذلك.
لبنان، هو جزءٌ من الحرب الإقليمية التي تحاكيها المناورات، وعلى الرغم من التطمينات التي تتلقّاها المستويات السياسية والرسمية من مراجع دولية، إلّا أنّ الحذرَ واجبٌ مع هذا النوع من الوقائع على حدّ تعبير مرجع كبير. و»حزب الله» الذي يشكل الهدفَ الدائم للأميركيين والإسرائيليين، بدا أنّ قطاعاته كلها مستنفرة رصداً للمناورات، مع ملاحظة تميّزها بالضخامة عن مسلسل المناورات المتتالية وخصوصاً منذ العام 2006.
«ممّا لاشك فيه أنّ المناورات مقلقة، ويجب التنبّه لما يحضَّر، ولما يمكن أن تمهّدَ له هذه المناورات»، الكلام هنا للرئيس نبيه بري الذي يلاحظ «أنّ المناورات أميركية أكثر منها إسرائيلية، بحيث يشارك فيها 2500 جندي أميركي و2000 جندي إسرائيلي، هذا يعطينا دليلاً إضافياً ساطعاً عن أنّ إسرائيل هي الابن المدلّل لدى الأميركيين، وأنّ أميركا على استعداد دائماً لأن تقوم هي بأيّ شيء لحماية إسرائيل وفي خدمتها ولتحقيق مصالحها».