IMLebanon

مجانين السياسة  وجنون العقلاء!

لا ولادة بلا أوجاع الوضع، فكيف اذا كان الحمل متعسّراً ويحتاج الى عملية قيصرية؟ وهذه هي حال الاستحقاق الرئاسي اليوم، وهو يحمل معه الى اللبنانيين خبرين: أحدهما سار والثاني سيّئ. والخبر السّار ان السفينة اللبنانية أبحرت لسنتين ونيّف في بحار هائجة وسط الأنواء والعواصف، وهي بلا ربّان ولا بوصلة، ومع ذلك فقد شارفت على الوصول الى برّ البرلمان قطعة واحدة، رغم الشروخ والتفسّخات. وهذه حالة فيها شيء من المعجزة، وشيء من العناية الإلهية لبلد مشظّى بهذا القدر من التنوّع والعصبيّات، في بيئة ملتهبة ينتشر في فضائها كل أنواع الأوبئة السارية والقاتلة، من التعصّب التكفيري الى حروب الإبادة الذاتية العبثية…

أما الخبر السيّئ فهو أن الأفراح الحاشدة التي تقام احتفالاً بقرب موعد عقد القران الرئاسي، رافقها اطلاق نار كثيف، أصابت رصاصاته الطائشة والعشوائية العديد من المشاركين في الحفل، وبينهم ممن هم من أهل بيت العروسين وذويهما الأقربين! ومع ذلك، فالاصابات ليست خطرة، ولا تمثّل تهديداً لحياة أحد، ولكنها مع ذلك أحدثت جروحاً ستترك ندوباً الى زمن ما، قد يطول أو يقصر! والدلائل تشير الى أن الفترة الطويلة من الشغور الرئاسي والتي تعقل خلالها مجانين السياسة، ليس من المتوقع أن تشهد الآن حالة يجنّ فيها العقلاء!

يبدو حتى الآن ان العقدة الرئيسية والأساسية للاستحقاق الرئاسي قد ذللت، وانها ستزول مع اعلان الرئيس سعد الحريري دعمه لترشيح العماد عون رسمياً لرئاسة الجمهورية، من غير أن يحول ذلك دون بروز عقد أخرى قد تقود الى تصعيب المسار والنتائج. واذا تمّ قياس الانتخاب الرئاسي بمفهوم النظام الطائفي المطبّق في لبنان، لوجب أن يكون استحقاقاً وطنياً جامعاً بتوافق مختلف مكوّنات الوطن، وهذا لم يحدث، وأثار نقزة غير المشاركين. أما بالمفهوم الديموقراطي فالقاعدة هي أن تجري المعركة بين موالاة ومعارضة وتنتهي بتهنئة الفائز بين مرشحين اثنين أو أكثر… وهذا ما لا يقبل به الأكثر حظاً بالفوز!

لا يعرف أحد من هو قائل هذه العبارة التي شاعت في الغرب في أواخر القرن الثامن عشر، وهي الشيطان يكمن في التفاصيل. ولا ريب في أن تفاهم الحريري – عون تضمّن تفاصيل كثيرة غير معلنة كانت وراء التسبّب بالنقزة… وفي القرن التاسع عشر عكس الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير المعنى، وقال ان الله يكمن في التفاصيل! وما يريده اللبنانيون جميعاً، شعباً وقيادات هو طيّ هذه الصفحة الأليمة من الشغور الرئاسي التي طالت كثيراً. واذا كانت التفاصيل هي المشكلة، فلا بد من التعمّق في البحث، فقد يتم العثور تحت طبقة التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان، على طبقة أخرى تكمن فيها الملائكة!