هناك قول مأثور لرئيس الحكومة الأسبق سليم الحص، يعكس كثيراً في هذه الأيام واقع الامور الذي يعيشه لبنان…
قال الحص «في لبنان كثير من الحرية وقليل من الديموقراطية» هذه الحالة تعني ضمناً أن اللبنانيين يعيشون حريّات غير منضبطة وغير مسؤولة. واحياناً كثيرة متوحشة، عندما تتجاوز حريّات الغير التي صانها الدستور في أكثر من مادة.
الدستور سمح بحريّة القول والتعبير والنشر والاعتراض والتظاهر، وهي عناصر اساسية من عناصر الانظمة الديموقراطية التي يتغنّى المسؤولون بها ويصرّون على القول، أن في لبنان نظاماً ديموقراطياً، ولكن الدستور، لا يسمح بالعنف ولا بالاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامّة، ولا بمحاصرة المؤسسات، ولا بالشتائم والاتهامات، ولا باقفال الطرق والشوارع والساحات، ولكن المواطنين منذ البدء بدرس الموازنة في مجلس الوزراء، وحالياً في لجنة المال والموازنة يعانون من «حريّة» الموظفين والمعلمين، والعمّال، واساتذة الجامعة اللبنانية والمتقاعدين المدنيين، والمتقاعدين العسكريين، من جندي الى عميد، والدولة التي فقدت هيبتها منذ زمن طويل، تقف مكتوفة اليدين، تتفرّج على الحرية المتوحشة، تدوس حقوق الآخرين في التنقل وذهاب الموظف الى وظيفته والعامل الى عمله والمريض الى طبيبه، والمخطر الى المستشفى، لكن «الديموقراطية» في لبنان منعت هؤلاء من ممارسة حريّاتهم بقوّة احراق الدواليب، والعصيّ، والحجارة والشتائم والتهديد.
وفي مثل آخر على قوّة الديموقراطية في لبنان، يعقد مجلس النواب، أب الديموقراطية وامّها، جلسة لمناقشة بعض مشاريع القوانين، فيفاجأ النواب على ما صرح به بعضهم – ان هناك جلسة ثانية لانتخاب خمسة اعضاء في المجلس الدستوري، وكان تقدم حوالى 50 قاضياً بترشيحاتهم، ولكن مكتب مجلس النواب «غربل» ديموقراطياً الاسماء وطرحها للتصويت من قبل النواب الذين لا يعرفون هؤلاء المحظيين، ولا يعرفون عنهم شيئاً، كما صرح بذلك النائب نعمة افرام، وكان لافتاً ان الاسماء الخمسة التي بقيت فوق الغربال، فازت جميعها برقم يتراوح بين 71 صوتاً و73 صوتاً.
مهمة مجلس النواب بهذا الخصوص انتهت ديموقراطياً بفوز الخمسة الذين خضعوا لمنافسة ديموقراطية عنيفة وبعد ايام ستدور منافسة مشابهة في مجلس الوزراء لانتخاب خمسة اعضاء اخرين، وليس معروفاً حتى الان اذا كانت «الدولة» كلفت رئيس مجلس النواب نبيه بري اعادة عرض المسرحية ذاتها التي تحمل عنوان «الديموقراطية اللبنانية»، او انها تركت «اللعبة حرة» بين ديوك التسوية الرئاسية، وديوك المعارضة من الداخل.