الموفد الروسي ميخائيل بوغدانوف يستكمل جولته على القيادات في لبنان، بعدما اضطر لقطعها من أجل أن يكون في اسطنبول ثم موسكو ثم دمشق. لكن مهمته اللبنانية تبدو كأنها عرض جانبي على مسرح تعطي روسيا الأهمية فيه لمهمته السورية. هنا تدور الأحاديث في اطار التشاور والاستطلاع والبحث عن ثغرة في جدار الشغور الرئاسي، حيث الدور الروسي محدود. لا هو من صنّاع الأزمة ليكون مؤثراً في الحلّ. ولا تشدّد موسكو في الموضوع السوري يحول دون رحابتها في الموضوع اللبناني وحرصها على دعم اعلان بعبدا. وهناك تدار المحادثات مع النظام والمعارضين من أجل هدف محدّد هو التفاوض في موسكو لفتح الطريق الى حلّ سياسي، حيث الدور الروسي مهمّ جداً. لا هو جزء من الرهانات على إطالة الحرب. ولا تصوّر موسكو للحل السياسي محصور بالصورة التي لدى النظام والصور التي يرسمها المعارضون.
لكن نصائح بوغدانوف ليست الوحيدة التي وقعت في آذان تطرب لها وفي أخرى ضد الاصغاء، من دون تبدّل في المأزق. فالموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو جاء حاملاً الدور التاريخي لبلاده، وقيل انه محمل بمرونة في طهران والرياض ومباركة فاتيكانية وأميركية لانتخاب رئيس. غير انه لم يستطع فتح ثغرة في الجدار.
ولا أحد يبخل علينا بالنصائح، والتحذير من المخاطر واستمرار المسار الانحداري للبنان، وابداء الحرص على رفع مظلة اقليمية ودولية فوقه. ولا نحن نبخل بالثرثرة والانشغال بالحروب الصغيرة عن مواجهة الحرب الكبيرة، وبالتنافس على رؤية المخاطر ثم الاندفاع نحوها، ولعل ما ينطبق علينا هو المثل القائل: عندما يدل الحكيم على القمر، ينظر المجنون الى الاصبع.
ذلك ان ما نسمعه حالياً من تهديدات الارهابيين وتحذيرات التحالف الدولي هو ان خطر داعش على لبنان داهم بما يتجاوز حرب العصابات وما هو أوسع من معركة عرسال. وما نعيش فيه من الأزمات الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأخلاقية يجب ان يدفعنا الى التبصّر في كلفة هذه الأزمات، والاستعداد للحلول الممكنة لها مهما تكن الحسابات الفئوية قوية ومعها الحسابات الاقليمية.
لكن ما نفعله، وسط قليل من سياسة التبصر، هو كثير من سياسة التبصير. التبصير في فنجان الرئاسة والمواقف الحقيقية للدول المؤثرة والمواعيد الممتدة الى شهور أو أكثر. التبصير في فنجان المجلس النيابي لنعرف إن كان هناك أمل في قانون انتخاب وحتى وبأية صورة. والتبصير في فنجان الحكومة لمعرفة متى يمكن توقع الاتفاق على أي مشروع حيوي وملحّ، وسط خلافات تدار بالريموت كونترول.