أما سؤال المسؤول المهم السابق نفسه في “الإدارة” المهمّة نفسها داخل الإدارة الأميركية، والذي عمل على عملية السلام الشرق الأوسطيّة طويلاً، عما إذا كانت أخطأت إيران في سوريا، فقد أجبت عليه بالآتي: لا يعتقد المسؤولون الإيرانيون أنهم ارتكبوا خطأ في سوريا استناداً إلى القريبين منهم أنفسهم. فمشروعها وصل إلى مرحلة الإنجاز النهائي. كانت سوريا تحت سيطرة إيران. “الربيع العربي” الذي “اندلع” فيها خرّب كل شيء. وما كان في استطاعة هؤلاء ترك هذا الاستثمار السوري الكبير المترابط مع الاستثمار الأكبر في لبنان (“حزب الله”) أو التخلّي عنه من دون أي مقابل. علَّق: “يعني في رأيك أن إيران ستبقى قوة إقليميّة مهمّة؟”. أجبت: بكل تأكيد. وستكون أيضاً مهمّة وقويّة وجدّية وذات دور أساسي في المنطقة مع قوتين إقليميّتين مهمّتين هما تركيا وإسرائيل. ولا يعني ذلك تصالحها مع إسرائيل أو اعترافها بها. لكن لاحظ أن الثلاثي هذا ديني – مذهبي (يهود ومسلمون، سنّة وشيعة) لا مكان للقوميّة العربيّة فيه أو للعرب، ربما لأنهم يئسوا من قوميّتهم أو أحبطهم قادتها وزعماؤها وتوجّهوا نحو الإسلام فالإسلامية وبعضهم إلى التطرّف وغالبيّتهم إلى المذهبية. أضفتُ: هل تلاحظ أن أيّاً من الأضلاع الثلاثة للمثلَّث المذكور أعلاه لا يُرحِّب بانضمام أي طرف عربي إليه؟ علماً أن لكلٍّ منهم سبباً ومبرّراً يختلف عن أسباب ومبرّرات الآخرين. سأل: “ماذا عن إسرائيل؟”. أجبت: لا أظن أن إيران ستُصالح إسرائيل أو ستعترف بها في المستقبل المنظور، علماً أن المستقبل لا يعرفه في النهاية إلاّ الله. لكنها لن تُحاربها عسكريّاً في صورة مباشرة إلاّ إذا هوجمت مباشرة منها. علماً أنها لم تعارض سابقاً مفاوضات بين الراحل حافظ الأسد وإسرائيل كان يُمكن أن تُنتج تسوية سلمية. لا بد من خوض أميركا وإيران في القضايا الإقليمية. وهذه ضرورة حتمية وستحصل عاجلاً أو آجلاً. ربما لا بد من “الدسدسة” (Testing the water) مستقبلاً وبعد وقت طويل بين إيران وإسرائيل. وسيبقى ذلك مستحيلاً إذا بقيت الأخيرة مصرّة على عدم الرغبة الفعلية في العمل للسلام مع الفلسطينيّين وفي إنجازه. سأل: “هل من خطر على إيران؟” أجبت: الأخطار موجودة دائماً. أخطار الخارج الكبير على أهميّتها لن تُترجم في نظري أعمالاً عسكرية رغم التوتّر الشديد في المنطقة والحروب بالواسطة التي تخوضها إيران (أميركا مثلاً). وأخطار الداخل (إتنيات وعرقيات ومذهبيّات) موجودة، لكنها نائمة لأن اللحمة المذهبيّة في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة تجعل الغالبية الشيعيّة مُتماسكة رغم تذمّرات معروفة ونائمة لأن إيران دولة تخطّط جيداً. الا أن الخطر عليها قد يأتي إذا وقعت في غرور القوة أو القدرة، وإذا غرقت في نشوة الانتصار. وهي تعرف ذلك جيداً. سأل: “ماذا عن سوريا؟”. أجبت: “ستدخل سوريا في رأيي مرحلة التقسيم الواقعي وهي ستكون مشابهة للتقسيم الواقعي الذي عاشه لبنان في أثناء حرب (1975 – 1990) قبل أن يقضي عليه جغرافياً فقط اتفاق الطائف. أي يسيطر الأسد على “سوريا المفيدة” بنفسه أو بآخرين. المناطق الأخرى لا بد أن تتوزّعها المنظمات الإسلامية السنيّة المعتدلة والمتشدّدة و”الجيش السوري الحر” وغيرها. وقد تسبق ذلك “حروب داخليّة” للسيطرة على المناطق أو للمحافظة عليها. ربما تكون المناطق المحاذية لتركيا تحت هيمنة فصائل مؤيّدة لها أو متعاطفة معها، وكذلك المناطق المجاورة للأردن. طبعاً على المدى البعيد لا بد من حل سياسي. والمرجّح أن تكون الفيديراليّة هي الحل لكنها في العالم الثالث، ومنطقتنا منه، ستكون تقسيماً مقنّعاً. لكن رسمياً تكون الدول التي تمارسها موحَّدة. وأميركا تعرف ذلك. فهل اقتراحها الفيديراليّة يعبِّر عن عجزها عن فرض حلول ثابتة ونهائية بالتعاون مع القوى الإقليمية أو عن عدم اهتمام؟ لا أعرف. علَّق: “الدول في المنطقة مفتّتة كلّها أو مرشّحة للتفتُّت. سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبيا ومصر كلّها مشكلات. حلُّ هذه المشكلات يحتاج إلى سنوات وسنوات”. ردّيت: من قال لك أنها ستجد حلولاً لها في سنوات قليلة؟ سوريا ستحتاج إلى “جنيفات” كثيرة جداً وربما إلى استمرار حروبها وإلى حروب في المنطقة. لا تنسى أن نظاماً إقليمياً قد انهار، وأن النظام الجديد يحتاج إلى وقت طويل وحروب وستحدّد معالمه الدماء ومصالح الدول الكبرى في العالم والكبرى في المنطقة. ويحتاج ذلك إلى جيل على الأقل. سأل: “ألا يذكّر ذلك بحرب الـ 30 سنة عند المسيحيّين في أوروبا قبل قرون؟”، بماذا أجبت؟