الانتصار الشامل والناجز بالضربة القاضية في سوريا، مستحيل. الانتصار يكون بالنقاط، أو سقوط المتحاربين من الإنهاك والنزيف. الحرب في سوريا عدة حروب في واحدة. الحسم يكون في واحدة لمصلحة حرب أخرى. الحسم النهائي ما زال بعيداً.
الرئيس بشار الاسد، سجل نقطة كبيرة لمصلحته. نجح مع حلفائه، في وضع معادلة سوداء. أنا أو «داعش». العالم بدأ يميل نحو التحالف ضدّ «داعش»، على قاعدة أن التنظيم خطر عالمي وداهم، في حين أن الأسد خطر سوري. غاب عن العالم وتحديداً الغرب أنّ «داعش» يتغذى وينمو وينتشر من وجود الأسد وحربه. لذلك الحروب مستمرة، والخسائر متصاعدة، والحل ما زال بعيداً.
الرئيس بشار الأسد «قاتل الأطفال» كما وصفه الرئيس باراك أوباما من منصة الأمم المتحدة، يكاد يضمن وجوده في «المرحلة الانتقالية». العقدة لم تعد في مشاركته في المرحلة الانتقالية، وإنما هل يكون جزءاً من الحل النهائي، مهما كانت صيغة النظام الجديد، وسوريا التي ستخرج من قلب نيران «الحروب» فيها.
«النقطة» التي ربحها الاسد، لم تكن كما يقال شعبياً «بذراعيه«. الحلف الذي وقف معه هو الذي صنع هذا «الفوز» المحدود. تحالف روسيا وإيران والصين، وضع استراتيجية متحرّكة ووزع المهمات ببراعة. إيران فتحت خزائنها المالية ومخازنها الحربية منذ الطلقة الأولى، وهي كلما اختل توازن الأسد سندته، حتى وصل الأمر إلى إقحام «حزب الله» بكل قواه في الحرب والى جانبه كل الميليشيات الشيعية المشكّلة في العراق وافغانستان وباكستان، إضافة إلى الشيشانيين السُنَّة. موسكو ومعها الصين استخدمتا سلاح «الفيتو» في الأمم المتحدة إلى جانب الخبراء من الجنرالات والتقنيين، وصولاً إلى التدخّل المباشر في نشر قواتها الجوية وحتى البرية على الأرض.
هذا الحلف «الممانِع» لم ينتصر رغم كل قوته. الروس لم يتدخلوا إلاّ لأنّ الجيش السوري لم يعد يقوى على الصمود، ولأنّ الاستراتيجية العسكرية الإيرانية فشلت فشلاً واضحاً مما يفتح الجبهة أمام كل الاحتمالات. ما دعم قوّة «الحلف الممانِع»، أنّ المعارضة «معارضات» ممزّقة ومتصارعة في وجه «النظام الأسدي« الشرس الذي لا يحسب أي حساب للخسائر. الأخطر ان الجبهة التي ساندت «المعارضات» تنافست وتزاحمت فيما بينها، وعمّقت بذلك الخلافات السورية، وزادت التشرذم السوري المعارض. واشنطن شاركت في الحرب الجوية فقصفت «داعش» لتجرحه وليس لتقتله، لأنّ الوقت لم يحن.
الرئيس باراك أوباما، واضع استراتيجية «الحرب» بصفر خسائر بشرية ومالية، يتابع تنفيذها بدقّة. دان الاسد بقوّة، وفي الوقت نفسه اعترف بالدور الإيراني الروسي بالحل في سوريا. بهذا ضمّ أوباما إيران رسمياً إلى «مجلس» الحل والربط في الحروب المشتعلة في المنطقة عبر «البوابة» السورية. مرة أخرى يتأكد أنّ المفاوضات النووية كانت في الأساس مفاوضات سياسية، أخذت إيران بموجبها «الشرعية» السياسية لدورها الاقليمي. السؤال هو حدود دورها مستقبلاً، وهل كان القبول الأميركي والصمت العربي بالدور الروسي الجديد جزءاً من عملية مدروسة لتطويق «الشهية» الإيرانية ووضع «نقاط مساحة« للدور الإيراني المستقبلي؟
ما يعزّز هذا التوجه، أن الوجود الأميركي في العراق يترسّخ مع نجاح واشنطن في تشكيل «قوّات سنّية» في الموصل والأنبار، مما حقق تطوراً نوعياً في الحرب ضدّ «داعش»، وحقّق إقامة توازن حقيقي مع الجبهة «الشيعية» أو «الحشد». إنشاء حلف عسكري وأمني رباعي مشكّل من طهران وموسكو وبغداد ودمشق، هو لمواجهة التمدّد الأميركي. سواء نجح هذا «الحلف الرباعي» أو فشل، فإنّه «يقضم» حصّة مهمّة من الوجود الإيراني في بغداد. أصبح لإيران «شركاء» أقوياء في العراق بعد أن انفردت فيه طويلاً. لا يمكن فصل ما يجري في سوريا عن العراق. يمكن القول ان واشنطن أعطت «الشرعية» للدور الإيراني بيد، وتعمل على تحديد مساحة هذا الدور وحجمه باليد الأخرى.
كل ما يُقال عن خطط ومخططات للحلول في سوريا، يبقى احتمالات. الحل النهائي ما زال بعيداً، لأنّ الهدف ليس فقط إنهاء الحرب في سوريا، وإنّما رسم «خريطة» لنفوذ القوى الدولية والاقليمية وليس لحدود جديدة للدول في الشرق الأوسط.