يبدو أنّ الاتّجاه بات واضحاً لتأليف حكومة ثلاثينية تضمّ كل القوى السياسية، أو ما يُعرف بحكومة «الوحدة الوطنية»، إلّا إذا حصلت مفاجآت في ربع الساعة الأخيرة.
لم تُحسم بعد سيناريوهاتُ تأليف الحكومية، فكلّ الصيَغ التي تُطرح ما تزال في إطار الأفكار لأنّ معاييرَ تأليف الحكومات في لبنان قدّ تتغيّر بين لحظة وأخرى، خصوصاً إذا أصرّ أيُّ فريق على الاحتفاظ بالثلث الضامن مثلاً.
ولم يعد بالإمكان أيضاً احتسابُ القوى السياسية على أساس الإصطفافات القديمة، أي فريقي 8 و14 آذار، لأنّ التوازنات السياسية في البلاد تغيّرت وتبدّلت معها التحالفات، وأصبحت ظرفيّة، لا إيديولوجيّة- سياسيّة. من هنا فقدَ الثلثُ الضامن أهميّته، لأنّ أحداً لم يستعمله في حكومة العهد الأولى التي تألّفت بعد انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
نال فريق «14 آذار» المؤلّف من «القوات» وتيار «المستقبل» في حكومة الرئيس سعد الحريري التي تألّفت بعد انتخاب عون 10 وزارات إضافة الى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري (رئيس الحكومة يصوّت في الجلسات بينما رئيس الجمهورية لا يصوّت)، أي أنه نال الثلثَ الضامن، وقد حظيت «القوات» بأربع حقائب مع الوزير ميشال فرعون، و«المستقبل» ست حقائب.
ونال «حزب الله» وفريق «8 آذار» من دون حصة رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحرّ» 8 مقاعد، أي أنه لم يحصل على الثلث المعطّل بمفرده. فيما حصل «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية على 9 وزارات، واحتفظ الحزب «التقدمي الاشتراكي» بوزارتين.
وبالتالي فقد نال فريق «8 آذار» و«التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية 17 وزارة، أي النصف زائداً واحداً من دون غالبية الثلثين، لكنّ هذا الرقم لم يُصرَف في مكان، لأنّ الحلف الأساسي نشأ بين «التيار الوطني الحرّ» ورئيس الجمهورية وتيار «المستقبل»، حيث يشكّل مجموع عدد وزرائهم 15 وزيراً زائداً رئيس الحكومة، أي النصف زائداً واحداً، لكنَّ كلَّ ذلك، لم يسمح لـ«المستقبل» و«التيار» بتمرير المشاريع التي كانا يريدانها وأبرزها خطة الكهرباء، لأنّ معظم القرارات تُؤخذ بالتوافق وليس بالتصويت.
وينتظر الجميع عودة الحريري لتأليف الحكومة الجديدة، وهنا ستُطرَح مجدداً مسألةُ الثلث الضامن أو المعطّل، وإن كان بطريقة مبطّنة، وبالتأكيد سيحظى فريق «8 آذار» ورئيس الجمهورية و»التيار» بهذا الثلث، لكن هل سيُمنح لفريق «14 آذار»؟
ومثلما بات معلوماً فإنّ قاعدة التوزيع المذهبي والطائفي ستُحترم في الحكومة وفق ما نصّ الدستور، فالحكومة الثلاثينية ستُقسَّم بين 15 وزيراً للمسيحيين و15 للمسلمين.
وبالنسبة للمسلمين، فإنهم يتوزّعون بين 6 وزراء لكل من الشيعة والسنّة، 3 دروز، وفي أحسن الأحوال قد يتخلّى الحريري عن وزير سنّي لصالح سنّة «8 آذار»، وبالتالي سيحصل على 5 مراكز وزارية، وسيذهب وزراء الشيعة الستة لـ«حزب الله» وحركة «أمل»، والثلاثة الدروز لـ«الإشتراكي» إلّا إذا بادل الأخير بوزير مسيحي مع «التيار الوطني الحرّ» لصالح النائب طلال أرسلان.
أما مسيحيّاً، فيرجّح البعض أن تحصل «القوات» على 4 وزراء، وستُحتسب الحصة الأرمنية من ضمن حصة تكتل «لبنان القوي»، وبذلك يبقى 11 وزيراً مسيحيّاً، وسينال تيار «المردة» وزيراً.
وإذا تمّ استبعاد الكتل والأحزاب التي لم تنل أكثر من 3 نواب فإنّ حزبَي الكتائب اللبنانية و«السوري القومي الإجتماعي» لن يُمثلا في الحكومة، بينما يُرجَّح أن يذهب مقعدٌ مسيحيّ لتكتل «الوسط المستقل» برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي إذا لم يُعط له مقعد سنّي، وبالتالي يكون «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية حصدا 9 مقاعد مسيحية، في حال لم ترتفع حصة «القوات» الى أكثر من 4 مقاعد.
وأمام هذا الواقع، فقد يحصل فريق «14 آذار» على 9 مقاعد، و«حزب الله» وحلفاؤه في «8 آذار» على 8 مقاعد. وسينال «التيار» وعون حصة من 9 مقاعد، وسيحظى تكتل الوسط المؤلّف من كتلة ميقاتي و«الإشتراكي» على 4 مقاعد.
وفي حال تمّ توزيرُ «قومي» وكتائبي فإنّ حصة «14 آذار» ترتفع الى 10 وزراء، و«8 آذار» الى 9، وتنخفض حصة رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» الى 7 مقاعد، وهذا الأمر قد لا يرضى به فريق الرئيس.
وبالنسبة الى التوزيع المذهبي على القوى، فإنه قد تحصل عملياتُ تبادل لكنّ هذا لن يؤثر على الحجم الذي سيناله أيُّ فريق.
من هنا، قد لا يحصل فريق «14 آذار» على الثلث المعطّل، إلّا إذا أصرّ عليه وارتفع تمثيلُ «القوات» وأُسندت حقيبة الى الكتائب، لذلك، فهو يحتاج الى قوى الوسط، أي جنبلاط وميقاتي، لتشكيلِ ثلثٍ معطّل، مع أنه قد لا يحتاجه أيُّ فريق، في المقابل، فإنّ «14 آذار» تستطيع إسقاط الحكومة بلا الثلث، وذلك بمجرّد استقالة رئيسها الحريري.
ومن جهة ثانية، فإنّ «حزب الله» وفريق «8 آذار» قد لا يأخذ الثلث المعطّل لوحده من دون حليفه «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية، فيما لا يستطيع «المستقبل» و«التيار» ورئيس الجمهورية الحكم بمفردهم أو نيل غالبية النصف زائداً واحداً داخل الحكومة.
قد تكون العقد الوزارية والألغام كثيرة، لكنّ الأكيد أنّ العقدَ السياسية والإقليمية أكثر بكثير مع ارتفاع منسوب العقوبات الأميركية والخليجية على «حزب الله» والتشدّد تجاه إيران، لكن حتى الساعة يبدو أنّ الوضعَ اللبناني مفصولٌ عن أوضاع المنطقة، فهل هذا يعني أنّ الحكومة ستشكَّل سريعاً؟