Site icon IMLebanon

خريطة الإصلاحات على الطريق: ملف الكهرباء أول الغيث

 

أن تقرّ حكومة حسّان دياب الخطة المالية، فتلك ليست إلّا خطوة أولى في مشوار الألف ميل، حيث لا تقل الخطوات التالية، صعوبة وأهمية. لا بل قد تنتهي ورقة الحكومة، حبراً على ورق اذا ما عجزت عن “تقريشها” قرارات عملية وقوانين، واذا ما ووجهت بمعارضة شرسة، من جانب الحلفاء قبل الخصوم. وهؤلاء جميعاً لن يرحموها.

 

وها هو رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يتصرف على قاعدة أنّه “غير موالٍ” و”غير معارض”. لا بل أشبه بمرشد الحكومة. فإذا أحسنت العمل ذكّر بأبوته لها واذا أخفقت غسل يديه منها.

 

كل السيناريوات واردة وممكنة، خصوصاً أنّه على الحكومة السير في حقل من ألغام مالية زرعتها طبقة سياسية أمعنت في الدولة فساداً وهدراً على مرّ عقود من الزمن، فتحولت إلى أخطبوط يطبق على أنفاس الإدارة العامة ومواردها المالية.

 

عملياً، ينطلق الأسبوع المقبل قطار المفاوضات الرسمية بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، وهي خطوة لاقت ترحيباً غربياً من جانب الدول المهتمة بلبنان، وتحديداً فرنسا والولايات المتحدة اللتين لطالما طلبتا من الحكومة اللبنانية طرق أبواب الصندوق للحصول على المساعدة المالية، ولكن بعد تلبية شروطه، وهنا واحد من الأفخاخ التي كان يخشاها “حزب الله” جراء هذا المسار. ولهذا لا يزال “الحزب” يتعامل بكثير من الحذر مع ملف التفاوض بين الحكومة اللبنانية والصندوق، ويترك موافقته معلّقة على شرط عدم التعرّض لسيادة لبنان، وفق ما رأى الأمين العام السيد حسن نصرالله وعاد وكرّره رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد على طاولة “اللقاء الوطني” الذي عقد في بعبدا.

 

إلا أنّ الإشارات الإيجابية التي أرسلتها الدول الغربية، بخفر، لا تعني أبداً أنّها رفعت السواتر الترابية من أمام الحكومة. الترحيب بالتعاون مع صندوق النقد، هو مجرد ممر إلزامي يفترض بالحكومة عبوره لتأكيد إلتزامها بالإصلاحات البنوية والمالية التي تطالب بها الجهات الداعمة. وهذا ما أكده نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، الذي رأى أن “لبنان يواجه تحديات كبيرة، وواقع أن الحكومة استطاعت المضي قدماً وقدمت طلب المساعدة لصندوق النقد هو خطوة إيجابية لكن العبرة في التطبيق”.

 

وقال شينكر إنّ “ما نبحث عنه هو نوع الإصلاحات الهيكلية التي ستغير الطبيعة الأساسية لكيفية عمل الاقتصاد اللبناني”. ولكن مقابل هذه الإلتفاتة الإيجابية من جانب الإدارة الأميركية، كما تراها مصادر حكومية، كان للسفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان موقف أكثر تصلّباً، حين اعتبر قبل يومين أنّ “التحدي الذي يواجه دياب في خطته هو إقناع المانحين بعدم زيادة هيمنة “حزب الله” على قطاعات الدولة كافة”.

 

وأبدى فيلتمان تخوفه حيال خطة دياب الإنقاذية، “فأمامها مصيران لا ثالث لهما، إما أن تكون الخطة كسابقاتها بحيث لم تنفذ إطلاقاً، أو تنفذ بطريقة ملتوية نظراً لهيمنة حزب الله وحلفائه، وفي الحالتين فإن اهتمام الجهات المانحة لمساعدة لبنان سيذهب مع الريح”.

 

ولكن بالنسبة للمطلعين على موقف رئيس الحكومة، فإنّ المؤشرات من الجانب الأميركي ليست سلبية بالمطلق، لا بل تنحو بالاتجاه الايجابي، طالما أنّ الحكومة تثبت يوماً بعد يوم أنها ليست حكومة “حزب الله”، وهذا هو الهاجس الأبرز للإدارة الأميركية. ولكن الكوة التي فتحت في جدار التفاوض مع الصندوق برهنت أنّ الحكومة لا تسير وفق أجندة “حزب الله”، كما يرى المطلعون، لا بل اقتنع الأخير أنه بالامكان التوجه إلى الصندوق من دون التنازل عن السيادة الوطنية. ويعترف هؤلاء أنّ الإصلاحات هي الجانب العملي من الخطة، والاختبار الحقيقي لكيفية تعامل الدول الغربية معها، سواء من الجهة الأميركية أو تلك الأوروبية. ولذا يتم الآن وضع خريطة طريق عملانية لتنفيذ الخطة سواء عبر قرارات يتخذها مجلس الوزراء أو اقتراحات يتم ارسالها الى مجلس النواب.

 

قائمة الإصلاحات

 

وهنا تشير المعلومات إلى أنّ الإدارة الأميركية تركّز على مسألتين: الأولى هي المعابر الحدودية التي تطالب بضبطها ليس فقط من باب وقف الهدر، وإنما لاعتقاد واشنطن أنّ هذه المعابر هي الأبواب الخلفية لتهريب السلاح والمال لمصلحة “حزب الله”، ولهذا ثمة تشدد أميركي في ضبط المعابر الجوية والبحرية والبرية.

 

لا بل أكثر من ذلك، ثمة كلام غير رسمي يتردد في بعض الأروقة، ومفاده أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يرفض التدخل في سوق الصرف لضبط سعر الدولار، خشية من أن يقوم “حزب الله” بسحب الدولارات، وهذا ما تحاول الإدارة الأميركية ضبطه أيضاً، وهذا ما دفع السيد نصرالله للتطرق إلى هذه المسألة نفياً لها وللتأكيد أن “حزب الله” يأتي بالدولارات وليس العكس.

 

ثاني الإصلاحات المطلوبة أوروبياً وأميركياً هو ملف الكهرباء. وهنا يشير المطلعون على موقف رئيس الحكومة إلى أنّ هذا الملف سيشهد تطورات بارزة خلال الأيام القليلة المقبلة، وتحديداً مع شركة “سيمنز” التي يتردد أنّها قدمت العرض الأكثر ليونة وإغراء، كما أنّ الحكومة الألمانية أبلغت رسمياً رئاسة الحكومة اللبنانية عن استعدادها لتقديم ضمانات مالية لشركة “سيمنز”، كي تتولى الأخيرة بناء معملين لانتاج الطاقة، في الزهراني ودير عمار، فيما المفاوضات تجرى مع الدولة الألمانية لتخفيض حصة الحكومة اللبنانية من كلفة المعامل (هي الآن 15%).

 

ثالث تلك الإصلاحات هو ما يتصل بالهيكلية الاقتصادية وتلك الإدارية. في هذا المجال، تفيد بعض المعلومات أنّ الفرنسيين وجهوا نصيحة لمسؤولين لبنانيين بضرورة حلّ مسألة الـ 5 آلاف، الذين وُظّفوا في القطاع العام قبيل انتخابات العام 2018، وذلك خلال الاتصالات الأخيرة التي تبعت إقرار الخطة الحكومية. ويعتبر الفرنسيون أن مبادرة الحكومة إلى حلّ هذه المسألة ستكون بمثابة إشارة “حسن سلوك” عن النوايا الجدية للقيام بإصلاحات، قبل التوجّه للتفاوض مع صندوق النقد الدولي أو خلاله. ويستند الفرنسيون في نصيحتهم إلى التجربة مع الحكومة السابقة والتي كانت سلبية، بعدما عجزت عن تنفيذ ما التزمت به من إصلاحات في مؤتمر “سيدر” تسمح بفك أقفال الأموال الموعودة، وهذا ما سينطبق على صندوق النقد أيضاً الذي لن يقدم أي قرض قبل القيام بأي إصلاح جدي.

 

ومع ذلك، تنفي مصادر حكومية أن تكون هذه المسألة طرحت على بساط البحث معها من أي جانب غربي، مشيرة إلى أنّ الخطة المالية تقتضي بوقف التوظيف لمدة خمس سنوات، وهي قاعدة كفيلة بتخفيف أعباء القطاع العام مع الوقت اذا ما جرى الالتزام بها.