تتصارع الأحزاب اللبنانية بمختلف اتّجاهاتها السياسية، لاستحواذ أكبر عددٍ مِن المناصرين، وهذا الأمر من حقّها وفقَ مشروعية العمل السياسي. وفي هذا الإطار يَظهر حزب «القوات اللبنانية»، كقوّة سياسية. ما يَطرح السؤال عن موقفه اليوم مِن مختلف التطوّرات، وبالتالي ماذا يُخطّط للمستقبل؟
تسعى «القوات اللبنانية»، على غرار بقية الأحزاب، للوصول الى السلطة وفق الأطر الديموقراطية التي حدّدها الدستور اللبناني، أي العمل لإيصال كتلة نواب وازنة الى المجلس النيابي مع حلفائه.
ولكنّ المسؤولية الكبرى في هذه المعادلة، تقع على الشعب وقدرته على حسن الاختيار، لأنّ المواطن هو المسؤول الأول عن وصول النواب الى المجلس النيابي، وقد أظهرَت الانتخابات البلدية أهمّية صوت الفرد في صندوقة الاقتراع.
زيارات معراب
في الفترة الأخيرة، شهدَت معراب زيارةَ عدد من النواب المسيحيين. وعلمت «الجمهورية» من مصادر قوّاتية، أنّه «منذ شهر تقريباً، أي قبلَ الانتخابات البلديّة في الشمال، جمعَ عشاءُ عملٍ في معراب نائبَ رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي كان متمايزاً في فترات سابقة عن «القوات»، ورئيسَ حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا جعجع، حيث أكّد مكاري لجعجع أن «لا خلاف مع «القوات»، لكن كلٌّ يأخذ خياراته في التكتيكات السياسية والمناطقية، وفقَ الحالة السياسية المفروضة»، وهذا الوضع يريح «القوات» ومكاري.
وبالنسبة إلى الذين يتكلّمون عن إلغاء «القوات» للشخصيات المسيحية التي لا تدور في فلكها، تؤكّد المصادر أنّ «الموضوع عارٍ من الصحّة، والاتفاق بين مكاري جعجع خيرُ دليل على ذلك».
وفي هذا الإطار، أتى كلام وزير السياحة ميشال فرعون، ليؤكّد تعاملَ «القوات» مع حلفائها، إذ أبلغَ الأخير الرئيس سعد الحريري أنّه يسير بكلّ قرار تأخذه «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، قائلاً إنّ «وصولَ النائب ميشال عون الى الرئاسة يحظى بالشرعية».
من جهةٍ أخرى، تعيش «القوات» مع المستقلّين أمثال الوزير بطرس حرب علاقةَ مدٍّ وجزر. ويسأل المصدر القواتي: «كيف يمكن لنائب ووزير كبطرس حرب أن يقف ضد قانون الجنسية للمستحقّين، وهو القانون الذي طالبَ به البطريرك الياس الحويّك ولم يستطِع تنفيذَه، واليوم أقِرّ هذا القانون بإجماع الثنائي المسيحي».
من هنا عتبُ «القوات» على حرب، بالإضافة إلى موقفه ومعارضتِه لإعلان النوايا بين «القوات» و«التيار». وقد يكون سبب موقفه هذا، تخوّفه من إلغائه سياسياً رغم دعوةِ جعجع الجميعَ إلى الانخراط في هذا التحالف الذي لا يلغي أحداً.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى النائب هادي حبيش الذي يَعيب على «القوات» و«التيار» اتّفاقهما وتحالفهما. وخلال عملية شدّ الحبال بين «المستقبل» و«القوات» و«التيار»، أكد «المستقبل» وجود فعاليّات وأقطاب مسيحية تعارض هذا الاتفاق، كدلالة واضحة على حرب وحبيش. ويضيف المصدر: «إذا أردنا مقارنة الأحجام التمثيلية فالنتيجة محسومة.
فهل الحجمُ التمثيلي لهادي حبيش خارج القبيّات وبطرس حرب خارج تنّورين يُعَدُّ ذا ثِقلٍ مسيحي؟ مع العِلم أنّ أيّ منسّق قضاء في «القوات اللبنانية» لديه حيثية حزبية تمثيلية أكبر منهما».
«المستقبل»
أمّا علاقة «القوات» مع تيار «المستقبل» فقد تأثّرَت في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد ترشيح الحريري النائبَ سليمان فرنجية، وقد ظهرَ ذلك خلال المؤتمرات الصحافية لكلّ مِن جعجع والحريري، وبين القواعد الحزبية للطرَفين على وسائل التواصل الاجتماعي. على الأثر، وبعد العشاء الذي أقيمَ في «بيت الوسط» بين جعجع والحريري، شرَح كلّ منهما وجهة نظره من مختلف الجوانب، لكنّ الترشيحات الرئيسة للجانبين بقيَت «زَي ما هيّي».
وتشير المعلومات إلى وجود «اتّصالات دائمة بين الرَجلين، بحيث لا خلاف في النظرة الاستراتيجية بالنسبة الى الوضع اللبناني، ولكنْ تبقى التكتيكات السياسية بين الجانبين بما فيها مِن مدٍّ وجَزر، وفقاً للمواضيع المطروحة على الساحة السياسية»، كاشفةً أن «لا شيء قد يَمنع جعجع من حضور إفطار في بيت الوسط، لكنّ الموضوع يبقى مرتبطاً بالتقدير الأمني الذي يرافق تحرّكات جعجع».
الثابت الوحيد في الساسية هو التغيير المستمر، الذي يتحرّك وفق التطوّرات المتسارعة في الداخل اللبناني والإقليمي والدولي. فمَن كان يتصوّر اتّفاق جعجع وعون، أو أن يتنازل جعجع عن ترشيحه لصالح عون. وفي المقابل من كان يفكّر في أن يُرشّح الحريري فرنجية إلى الرئاسة؟
وتؤكّد المصادر القواتية في هذا السياق أنّ «دعم الحريري لعون غير مستبعَد»، مشيرةً إلى أنه «عندما غادر الحريري العشاء الذي أقيمَ في دارة السفير السعودي، استقلّ العميد المتقاعد شامل روكز السيارة معه، ممّا يؤشّر إلى أنّ روكز هو الذي يُجري المشاورات بالنسبة إلى دعم عون مع «المستقبل». لكن يبقى السؤال ما إذا كان روكز قد نسّقَ هذه الخطوة سابقاً مع عون.
بين «الكتائب» و«المردة»
إلى ذلك، يصف المصدر علاقة حزبَي «الكتائب و«القوات» بأنّها «صراع سياسي بين أخوَين على الحيّز المكاني نفسِه، وهذا الصراع مشروع في السياسة، ولا خلافَ معهم على النظرة الاستراتيجية بالنسبة إلى لبنان. فالخلاف ليس جوهرياً، بل هو خلاف تكتيكيّ، ويَعكس نظرة الحزبين للعمل السياسي.
أمّا بالنسبة إلى تيار «المردة»، فإنّ وجود قنوات اتّصال بين النائب فادي كرم، ورئيس مكتب جعجع طوني الشدياق من جهة، والوزير السابق يوسف سعادة من جهة «المردة»، أدّى إلى تبريد الحماوة السياسية، بحيث استطاعوا حلَّ غالبية المشاكل في منطقتَي زغرتا وزغرتا الزاوية.
الانتخابات النيابية
أمّا في ملف قانون الانتخاب، فيؤيّد «القوات»، و«المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي والمستقلون القانونَ المختلط، الذي يتمتّع بأكثرية في المجلس النيابي.
وفي السياق، يقول المصدر تعليقاً على الأصوات التي تخرج أحياناً سائلةً عن ترجمةِ هذا الأمر في الانتخابات النيابية، خصوصاً أنّ عون حليف «حزب الله»، أن «لا علاقة للتحالف القواتي – العوني في الانتخابات النيابية، فتحالف عون مع الحزب يوازي تحالف «القوات» والمستقبل»، مشيراً إلى أنّ «هذه العملية تحتاج إلى تنظيم دقيق».
ورشة داخلية
داخليّاً، تتّجه «القوات» إلى إعادة اللحمة بين محازبيها بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، وتسعى إلى معالجة مكامن الخَلل وتوجيه القاعدة القواتية والتشديد على أهمّية الالتزام الحزبي. وستبدأ «القوات» عملية توزيع البطاقات الحزبية على المنتسبين بدءاً من 17 الجاري، حيث تتسلّم منطقة جبَيل ثمّ البترون وبشرّي بطاقاتها تباعاً، كما تَعمل على نشر التنظيم في البيت الداخلي وتهيّئ نفسَها للانتخابات النيابية المقبلة.
بالإضافة إلى المؤتمر العام الذي ستعقده مصلحة الطلّاب وستنبثق عنه مقرّرات طالبية. وتبقى عين «القوات» أيضاً، على مشروعها الحيوي «مكافحة المخدّرات»، وهي ستبدأ التحضيرات للقدّاس السنوي في أيلول، لتختتمَ صيفَها بمهرجانات الأرز الدولية التي أعادت الأرز إلى الخريطة السياحية العالمية.