IMLebanon

خريطة طريق رئاسية من أربعة بنود

فجأةً نشطت الحركة الدولية تجاه لبنان، واهتمَّت العواصم الكبرى دفعةً واحدة بالشغور الرئاسي. ومنذ 25 أيار تاريخ مغادرة الرئيس السابق ميشال سليمان قصر بعبدا، بدا الاهتمام الدولي الجدّي بالأزمة الرئاسية اللبنانية ضعيفاً، لا بل معدوماً، واقتصر على بضعة تصريحات ومواقف تدعو إلى إجراء الانتخابات الرئاسية.

لكنّ «الفراغ» الدولي ملأته حركة لبنانية داخلية صاخبة تحت عنوان «لبنَنة» الاستحقاق الرئاسي. وطال انتظار التفاهم الاميركي – الإيراني على أساس أنّه يشكّل المدخل الإلزامي لإنجاز هذا الاستحقاق. لكنّ التفاهم الذي حصل في فيينا لا يزال ينتظر التوقيع الرسمي، الذي أخّرَته كلّ من باريس والرياض في انتظار إنجاز بعض الملفات العالقة في الشرق الأوسط، إضافةً إلى ضمان فرنسا استثماراتها في إيران.

نائب وزير الدفاع الاميركي للشؤون السياسية ماثيو سبنس الذي زار لبنان، حرصَ على الإعلان أمام الجميع أن لا علاقة للاستحقاق الرئاسي اللبناني بأيّ اتفاق أميركي مع إيران، وأنّ على اللبنانيين تدبير أمر استحقاقهمم بأنفسهم لكي لا ينتظروا كثيراً. والسفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل أعلنَ في تصريح مكتوب بعد لقائه الرئيس تمّام سلام موقفاً مشابهاً.

كلّ ذلك صحيح، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ باريس وموسكو والرياض، وحتى الفاتيكان، تحرّكوا دفعةً واحدة فوراً بعد انتهاء قمّة فيينا. وهذا ما دفعَ البعض إلى الاستنتاج أنّ واشنطن التي كلّفت باريس الملف اللبناني أرادت توجيه رسالة واضحة إلى الأطراف المعنيين بأنّها لن تدفعَ أيّ أثمان إضافية لقاء إنجاز المهمّة الرئاسية في لبنان، والتي ستتولّاها باريس بالتفاهم مع أطراف أخرى.

فالسفير البابوي غابريال كاتشيا المعروف عنه رصانته وقلّة كلامه في الشأن اللبناني، تحدّث على رغم ذلك عن ظروف دولية ملائمة ستؤدّي إلى ولادة رئيس في آذار المقبل. وقبله كان السفير السعودي علي عواض عسيري قد تحدّثَ أمام الرابطة المارونية عن التوقيت نفسه، فيما الموفد الفرنسي فرنسوا جيرو يجول بنشاط على طهران والعواصم الأخرى تحت رقابة ديبلوماسية روسية توزّع بعض التفاؤل.

وفي الداخل اللبناني، بدا واضحاً أنّ الجولة الأولى من المفاوضات المنتظَرة بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» ستنطلق قبل نهاية السنة، حوارٌ ما كان ممكناً حصوله لولا دخول المنطقة في مرحلة جديدة، وتحديداً ما بين الرياض وطهران.

الرئيس سعد الحريري اختصر أهدافَ هذا الحوار بإزالة التشنّج المذهبي، فيما معظم مسؤولي «المستقبل» ونوّابه يتحدثون عن حوار لن يصل إلى مكان، أي حوار من أجل الحوار ويهدف إلى الصورة فقط ولإزالة التشنّج لا أكثر.

إلّا أنّ هناك مَن يعتقد أنّ قيادة «المستقبل» تعمَّدَت إشاعة هذه المواقف بهدف حماية الحوار. ففي الأساس ما كان يمكن الدعوة إلى حوار بهذه الأهمّية لولا موافقة الراعيين الاقليميَّين اللذين ضبَطا توقيته على الساحة الإقليمية. وإذا كان صحيحاً أنّ المطلوب منه فقط الصورة لتنفيس الاحتقان، لكان اللقاء حصلَ منذ أسابيع وبلا أيّ تأخير. ولا يمكن إعطاء تفسير لذلك سوى التحضير بعناية للملفّات التي ستناقش، وفي العمق.

جيرو قال لأحد السياسيين اللبنانيين إنّه انطلقَ من مهمّته بعد سَماع «لغة» إيرانية جديدة في شأن لبنان تشبه التبدّل في الموقف الإيراني قبيلَ الاتفاق على ولادة حكومة الـ 8- 8-8.

لا بل أكثر، فقد نُقل عن معاون الأمين العام لـ»حزب الله» حسين الخليل قوله في مجلس خاص إنّ الحوار سيطاول ملفّات أساسية. وحين سُئل عن الاستحقاق الرئاسي، قال إنّه لا يستبعد طرحَ هذا الملف، ولو أنّه كرّر تمسّك الحزب النهائي بالموقف الذي يتبنّاه العماد ميشال عون.

الأوساط المراقبة تعتقد أنّ مرحلة البحث عن تسوية يُتوجّها انتخاب رئيس جديد للجمهورية قد بدأت فعلاً، وعدا الإشارت الخارجية الكثيرة، فإنّ هذه الأوساط تلفتُ إلى إشارات لبنانية لا تقلّ أهمّيةً، وإلى أربع نقاط ستشكّل خريطة الطريق وصولاً إلى الحلّ:

أوّلاً، قانون جديد للانتخابات النيابية، والذي أضحى شبه واضح وفق خطوطه العريضة إثر النقاش الذي شهدَته لجنة التواصل النيابية. وكان معبّراً أن يطلب الدكتور سمير جعجع من ممثله في اللجنة النائب جورج عدوان تعليق حضوره، وذلك خلال زيارته للسعودية، وقد تردّد أنّ من أحد أهمّ أسباب توجيه الدعوة إليه، هو البحث في ملفّ الاستحقاق الرئاسي، وأنّ الاهتمام الظاهر يخفي تمنّياً بتعديل بعض المواقف حيال هذا الملف.

ثانياً، «البلوكات» النفطية والاتفاق على هذا الملف منذ الآن، ولم يكن من باب المصادفة ظهورُه فجأةً على سطح الأحداث وأخذُه حيّزاً أساسياً من النقاش.

ثالثاً، التشكيلة الحكومية المقبلة التي ستلي التفاهم على ملف النفط، على رغم أنّ «حزب الله» يدرك أنّ الرئيس سعد الحريري متمسّك بعودته إلى السراي الحكومي بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

رابعاً، بعد الانتهاء من النقاط الثلاث، يتمّ التوافق على اسم الرئيس العتيد الذي سيُشرف على تطبيق الاتّفاق كاملاً.

في هذا الوقت، ستتولّى باريس عبر موفدها إنجاز الملحق السرّي للاتفاق والذي يطاول سلاح «حزب الله» وسحبَه من النزاع الداخلي، والإقرار بهواجس الحزب الامنية في مقابل منح الجيش اللبناني حرّية الحركة لضبط الأمن وتثبيت ركائز الدولة وتنظيف الساحة من الإرهاب.

ويبدو ذلك واضحاً من خلال الدعم الدولي المفتوح للجيش وتزويده السلاحَ النوعيّ نظراً إلى المهمّات التي تنتظره. والواضح أنّ وضع هذه النقاط من ضمن الصورة الكاملة للمشهد السياسي إنّما يُعطي تكاملاً وترابطاً للأحداث والمستجدّات.

يبقى موقف العماد ميشال عون، إلّا أنّ هناك مَن يعزو تمسّكه بموقفه إلى أنّ أحداً لم يأتِ بعد لمفاوضته جدّياً وفي العمق. وأنّ جهات دولية، قد تكون مصر أو فرنسا، ستتولّى ذلك عندما يبدأ الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، وعندها قد يصيب المشهد اللبناني التبدّل الذي ينتظره كثيرون.