IMLebanon

زلزال الخرائط في 2025

 

 

في الأيام العشرة الأخيرة، تفرّغت إسرائيل لسوريا. وبأكثر من 500 غارة، دمّرت 85% من الترسانة العسكرية السورية، والبقية قيد الاستهداف. وهكذا، بدت سوريا مجرد جارةٍ لإسرائيل منزوعة السلاح، كما لبنان وغزة والضفة الغربية. والأرجح، ستنضمّ أسماء أخرى إلى هذه اللائحة.

قبل ساعات قليلة من سريان اتفاق وقف النار في لبنان، حرصت إسرائيل على تنفيذ مهمّة محدّدة: تدمير المعابر في الشمال. وأرادت إفهام الجميع على طرفي الحدود أن لا مجال لإدخال خرطوشة واحدة إلى لبنان بعد اليوم، لا من جهة الشام والبقاع الغربي فحسب، بل أيضاً من جهات البقاع الشمالي وعكار التي تشكّل امتداداً جغرافياً للساحل السوري بموقعه الاستراتيجي، وحيث كان الأسد يحتفظ بترسانته الأقوى براً وبحراً وجواً لـ”الأيام السود”، وقد دعمَها بقاعدتين لموسكو. بعد سقوط الأسد، انصرفت إسرائيل إلى تصفية كل الترسانة من الداخل السوري ضمن “أجندة” بالغة الدقة والحزم. حتى إنّها استخدمت في غارات اللاذقية الأخيرة صواريخ نوعية خارقة لمستودعات الذخائر، ما أحدث اهتزازاً أرضياً من الدرجة الثالثة على مقياس ريختر.

 

إذاً، الهدف واضح: لن يكون لأي بلد مجاور لإسرائيل قدرات عسكرية تهدّد أمنها، سواء ارتبطت بإيران أو تركيا أو روسيا أو أي طرف إقليمي آخر. وقد يُسمح لاحقاً بالسلاح المصنّف “تحت السيطرة”، والذي ترعاه الولايات المتحدة والقوى الأطلسية فقط. في خطى موازية، وفيما كان الإسرائيليون يدمّرون الترسانة السورية، كانوا يتقدمون على الأرض في الجنوب السوري من دون طلقة رصاص واحدة. وقد أمسكوا تماماً بقمم حرمون واجتاحوا المنطقة العازلة ووصلوا في ريف دمشق حتى مسافة 20 كيلومتراً عن العاصمة. وبمرور كل يوم، هم يقضمون مزيداً من الأراضي والقرى.

وثمة من يعتقد أنّ هذا التقدّم الذي لا يُقابَل بأصوات اعتراض تُذكر، سيبلغ نقاطاً متقدمة، لا في بقعة الجولان – ريف دمشق- درعا- السويداء فحسب، بل شرقاً أيضاً في اتجاه الحدود الأردنية – العراقية، حيث يرى بعض الخبراء أنّ الإسرائيليين سيبلغون قاعدة التنف الأميركية. وتنفّذ إسرائيل في مناطق التوغل عمليات دهم وهدم، وتطالب سكان بعض القرى بإخلائها. بسحر ساحر، صار الواقع في جنوب سوريا شبيهاً بالواقع في الجنوب اللبناني. وفي البلدين، تهجير وتدمير لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على بقعة جغرافية مستهدفة، وسط عجز رسمي هنا وهناك، لا عن المواجهة العسكرية فحسب بل حتى عن الاعتراض الديبلوماسي، لأنّ الولايات المتحدة تمنح إسرائيل تغطيتها في لبنان وسوريا. بل إنّ لبنان يقف عاجزاً أمام الطلعات اليومية المكثفة للطيران الاستكشافي الإسرائيلي فوق بيروت وسائر المناطق. في ظل هذا “الستاتيكو” سيتحدّد اتجاه التسويات الممكنة في لبنان وسوريا، إذا انطلقت المفاوضات فعلاً بعد تولّي دونالد ترامب مهمّاته رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل. ويريد الإسرائيليون الاستفادة من الشهر المتبقي أمامهم لفرض وقائع تناسبهم في البلدين، إضافة إلى بضعة أسابيع سيمضيها البيت الأبيض في استعداداته لإطلاق ماكينة الحكم في الداخل والخارج. وهذه المهلة يرونها كافية لتجهيز كل شيء، وقد يتاح خلالها توجيه ضربة قاسية إلى إيران.

 

لكن هاجس حكومة نتنياهو لا ينصبُّ على جبهتي لبنان وسوريا وحدهما. فالملف الفلسطيني يبقى أولوية، سواء تعلَّق بغزة أو بالضفة الغربية التي تبدو اليوم جبهة “نائمة”، ولكن وزير المال سموتريتش وعد بإنجاز عملية ضمّها إلى إسرائيل خلال العام 2025. في تقدير عدد من الخبراء أنّ حكومة اليمين واليمين المتطرف “تطبخ” اليوم على نار قوية مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي تحدث عنه نتنياهو، وأعلن أمس أنّه قد تحقق فعلاً. ووفق هذا المشروع، ستكون هناك دولة واحدة متفوقة في الإقليم هي إسرائيل، وتحوط بها دول أو دويلات ضعيفة. وتبدو الفرصة متاحة لتوسيع حدود إسرائيل بالسيطرة على غزة وضمّ المنطقة المصنّفة “ج” من الضفة الغربية (61% من مساحتها) أو ضمّ الضفة بكاملها ربما، في موازاة التوغل العسكري في جنوب سوريا وجنوب لبنان.

ويعتقد البعض أنّ الإسرائيليين سيستفيدون من فرصةٍ متاحة اليوم ويصعب تكرارها لتنفيذ “ترانسفير” فلسطيني من غرب الأردن إلى شرقه، ثم يقومون بتوسيع نفوذهم شرقاً داخل الأراضي الأردنية، على غرار توسعهم في لبنان وسوريا. في العلن، تتعالى أصوات الاعتراض العربية والدولية على مخطط القضم الإسرائيلي. لكن نتنياهو وشركاءه في السلطة يراهنون على القوة، وعلى “وعد” ترامب بتوسيع مساحة إسرائيل خلال عهده “لأنّها ضيّقة”. وهذا “الوعد” يعني أنّ سنة 2025 ستشهد زلزالاً عنيفاً يفسّخ الخرائط الحالية في الشرق العربي، ويعيد رسم معظم كياناته بعد قرن كامل من ولادتها.