يُطالعنا قادة طرفيّ إتفاق مار مخايل بشعارٍ جديد لمرحلة ما قبل الإنتخابات النيابية، من أجل تمرير هذا الإستحقاق المصيري بأقلّ الأضرار بصراخٍ بروباغندي، ظاهره عنفواني وتطويري، وحقيقته خداعية ونفاقية. وكما كل مرّة تنحشر فيها هذه المنظومة بانفضاح اتفاقاتها وتبيان نتائجها السلبية، تلجأ الى إطلاق شعار مُناسب لإستكمال مشروعها التخلّفي، وهذه المرّة وقعَ اختيارها على شعار “تطوير” اتفاقهم الشيطاني، وكأن هذا الإتفاق الشهير بتأثيراته التدميرية الشاملة على الإقتصاد والمجتمع والسياسة في لبنان لا يكفي أطماعهم وشدقهم بالسلطة، أو كأن هذا الإتفاق المسخ قد أنجز خططاً كتلك الخطط الخُماسية التي تعتمدها الدول المُتعثِّرة. فبإعلانهم نيّة تطوير إتفاق مار مخايل أعلن فريقا الإتفاق فعلياً وبكل وقاحة، النيّة لإطلاق رصاصة الرحمة على جسد وطن الأرز الذي يُعاني أصلاً.
ما بُني على باطل فهو باطل حتماً، ومن أجرى الإتفاقات الباطلة فهو بنفسه باطل، فعن أي تطوير لأي اتفاق يتكلّمون؟؟؟ إن تطوير إتفاق مهين أو حالة دمارية ليس إلا تماديا بالخطيئة والرذيلة ضد وطن الرسالة، وإن تطوير أسوأ إتفاق شهده لبنان بتاريخه الحديث بين أفرقاء لبنانيين بنيّة الخيانة للعقد الوطني عن سابق تصوّر وتصميم، جريمة وطنية ولا تتوافق مع مفهوم صفة التطوير، لأن هذه الصفة تُعطى عادةً لمشروع تحسين أوضاع معينة او تفاهمات مقبولة نتج عنها نسبة من الإيجابيات والنجاحات. أمّا وانّنا نتكلّم عن إتفاق عدواني بحق وطن الأرز، فإنّ مجرّد التمسّك به ومحاولة تطويره يُعدّ تماديا بالغزوة ضد الوطن وتجديداً لشعلة المواجهة لإسقاطه من قبل النضاليين والسياديين.
إن كان الإنسحاب من الإتفاق قد يُنقذ ماء الوجه للطرف السلطوي منه فإن عدم تمكّنه من ذلك ناتج عن قناعته بالخضوع للطرف الآخر وأنانية منه للحفاظ على سلطويته، ولذلك فقد أوجد نفسه في زاوية جهنّمية لا مفر منها. فطريق الشيطان لا رجوع منها، ليس لأن التوبة قد ماتت، بل لأن من خطا هذه الطريق عن وعي وإدراك فهو مقتنع بها وعاشق لملذّاتها وطالب لإثمها.
عندما تُجرى الإتفاقات الوطنية البنّاءة ترتكز أركانها على تأمين الصالح العام وتدعيم المؤسّسات وتقوية مفهوم المواطنية، ويهمّ أفرقاء الإتفاقات التمايز والتفوّق على أفرقاء الوطن الآخرين المُنافسين لهم، بإبتداع الأفكار التي تؤكّد الخطوات التطويرية والتحسينية التي يحتاجها العقد الوطني والعلاقة بين كافة الأفرقاء، ولكن ما نشهده ونفهمه من الطرح التطويري الذي أعلنه قادة الفريقين يعني إستمراراً بالشعور بفائض القوة الذي أغناهم عن المراجعة الوجدانية لنتائج تفاهماتهم وأعمالهم، ولذلك فقد أصبح التهرّب من دفع أثمان عواقب أعمالهم هروباً جباناً، فعند نعمة الحكم يتكابرون ويتعالون، وعند المُحاسبة يتبرأون.
تطوير لِمَاذا، أتطوير للخطأ؟؟؟ أهوَ تطوير للمشروع الإيراني المسؤول عن تدمير مجتمعات أربع دول عربية وعن تراجع مستوى الحياة البشرية فيها؟؟؟ أهوَ تطوير لعلاقة لبنان مع المجتمع الدولي من مؤسِّس للأمم المتحدة الى متعدٍّ على قواتها لحفظ السلاح على أراضيه وعلى حدوده الجنوبية بنيّة تشريعها كورقةٍ بيد المفاوض الإيراني في فيينا؟؟؟ أهوَ تطوير لطبيعة العلاقة والعقد اللبناني والنظام والدستور للإنتقال من المناصفة ووقف العدّ الى المثالثة واستمرار النزيف والهجرة وصولاً الى إنهاء لبنان؟؟؟ أهذا هو التطوير المطروح من قبل الفريقين؟؟؟
إن الخطأ لا يتحوّل الى الصحّ، والتعديل يُصلح لمسألة فيها نجاح وفيها ثغرات، أمّا حين يكون الملف أو الإتفاق أو العقد هو الثغرة بذاتها، فلا يكون التطوير فيه إلا تطويراً للهدف الذي وجِدَ من أجله أساساً.
وفي مجمل الأحوال، من يسعى للتطوير عليه أن يكون قادراً على ذلك، وهذا ليس واقع فريقي الإتفاق لأنهم يفتقرون للوطنية وللكفاءة وللضمير وللمدنية، وإنهم، مع من يدور بفلكهم يخوضون حالياً معركة الخداع التي برعوا بها من سبعينات القرن الماضي وفي كل مرّة مع شعارٍ ملائم لمشاريعهم التدميرية، مُدركين في الوقت ذاته أن ما أقترفوه بأعمالهم تلك هو الشرّ بذاته الذي أمّن دائماً الغطاء لأطماع إنهاء لبنان، ومن يتّخذ الشرّ طريقاً له وإن إعتقد أنه ذكي وشاطر فهو حتماً هالك، ومن صمدَ وتمسّك بالقيم الوطنية والإنسانية واختار المبادئ على الربح الآني، وإن تعذّب وعانى، فهو حتماً منتصر، وأهم انتصاراته الثقة التي يحوزها من شعبه.
الطابة اليوم بيد الشعب اللبناني الذي، إمّا سيُمدِّد معاناته بالتمديد لمن خدعه سابقاً من أطراف تطوير المشاريع المعادية للبنان، وإمّا سيُحاسبهم باختيار من عارضهم وواجههم وأسقط مشاريعهم المُتجدِّدة دائماً تحت شعاراتٍ مليئة بالعداوة لكل من يحمل اسم لبنان، وخاصة من حمل اسم “القوات اللبنانية”.