مُناسبتان يحتفل بهما «التيّار الوطني الحرّ» من دون خَجَلٍ أو وَجَل، وهما بالحقيقة مدعاة ذِلٍّ وانكسارٍ وليسَتَا مدعاة عزّ وافتخار. المناسبة الاولى هي ذكرى 13 تشرين الأول 1990، يوم السقوط المُدَوّي «لقصر بعبدا» في أيدي الجيش السوري ومغادرة العماد ميشال عون على عجل إلى السفارة الفرنسيّة بالطريقة التي نعرفها. والمناسبة الثانية التي احتَفَلَ بها أصحابها منذ يومين، هي ذكرى 14 آذار 1989 يوم أعلن العماد ميشال عون «حرب التحرير» لتكسير «رأس حافظ الأسد» بعد أن «خَلخَل المِسمار» فَوَصلنا إلى اتفاق الطائف.
وبعد هاتين الهزيمتين المُدوّيتين وبعد 16 سنة في المنفى، عاد «التيار الوطني الحرّ» والتجأ إلى «حزب الله» ووقّع معه «اتفاق مار مخايل» الذي هو نسخة مُستَنسَخَة عن «اتفاق القاهرة». «فاتفاق القاهرة» تمّ توقيعه في 3 تشرين الثاني 1969 بين قائدٍ للجيشِ طامحٍ للرئاسة، وبين المنظّمات الفلسطينيّة المُهَيمِنَة بسلاحِها، «واتفاق مار مخايل» تمّ توقيعه في 6 شباط 2006 بين قائدٍ سابقٍ للجيش طامحٍ للرئاسة وبين «حزب الله» المُهَيمِن بِسلاحِه.
هما اتفاقان صنوان، يتطابقان في الشكل وفي النتيجة. «فاتفاق القاهرة» شرّع الجنوب اللبناني الذي أصبح «فَتِح لاند» للعمل الفدائي تحت شعار «إزالة إسرائيل من الوجود». «اتفاق مار مخايل» أعطى الغطاء المسيحي الأوسع لسلاح «حزب الله» «طالما إسرائيل تُهَدّد لبنان»، هكذا جاء حرفيّاً في البند العاشر مِنَ الاتفاق (يا للتعبير المطّاطي).
«اتفاق القاهرة» شرّع خطوط الإمداد للفلسطينيّين من أقصى الشمال والبقاع إلى أقصى الجنوب، فاستُبيحَ كلّ لبنان، و»اتفاق مار مخايل» أعطى لـ»حزبِ الله» شَرعيّة استعمال كلّ الطرقات والمعابر والمرافق الشرعيّة وغير الشرعيّة من دون حسيب أو رقيب تحت حِجَّة سِرِيَّة «سلاح المقاومة».
«اتفاق القاهرة» جَعَلَ مِنَ المخيّمات والمعسكرات الفلسطينيّة، مربّعات محميّة من نهر البارد إلى قوسايا إلى الرشيديّة، و»اتفاق مار مخايل» شرّع المربّعات الأمنيّة لـ»حزب الله» على امتداد الوطن. «اتفاق القاهرة» حوّل ياسر عرفات إلى «الحاكم الفعلي» في الفاكهاني، و»اتفاق مار مخايل» جَعَلَ «الضاحية الجنوبيّة» قِبلَة أنظار الطامحين والمُنبطحين والمُفلِسين والذمّيين.
ففي خطابه الأخير في الذكرى المُهِينَة لـ»حرب التحرير» المشؤومة، أكّد وريث «التيّار الحرّ» أنّ «التيّار بعدو مع المقاومة بِوَجه إسرائيل والإرهاب، طالما الجيش اللبناني مش قادر يقوم وحده بالمهمّة»، وأكملَ ساخراً مِنْ كلِّ اللبنانيّين المتمسّكين بالدولة وبالجيش اللبناني البطل فَقال: «وعَ فِكرة، يلّي بدّو يِسحَب سلاح «حزب الله» خَلِّيه يِرفَع الحَظر عن تسليح الجيش اللبناني ويزوّده بنصف كميّة أسلحة إسرائيل».
ويسألونك، أنتم السياديّون لماذا لا تتفقون مع جبران باسيل؟
نُكْمِل، «اتفاق القاهرة» أتاحَ لـ»الفِدائي الفلسطيني» إعطاء كلّ الحِجَج لإسرائيل لتَضربَ لبنان وتقصفه وتدمّره وتحتلّه لمدّة 22 سنة من العام 1978 حتى العام 2000، «حزب الله» يَسلُك اليوم ذات الطريق، فهل سَيوصِل لبنان مرّة جديدة إلى نفسِ المصير؟ يبقى أنّ التاريخ أهمّ مدرسة، فهل مَن يَتَّعِظ مِن دروسِه؟
للبحث صلة…(*) عضو «الجَبهة السياديّة من أجل لبنان»