Site icon IMLebanon

لبنان يدفع ثمن لتفاهم والخلاف

 

 

لا شيء يكشف بعض الحقائق أكثر من خلاف الشركاء الذي يتقدّم على سجال الخصوم. ولا أحد يعرف متى يختلف شركاء المنهبة الكبرى للمال العام والخاص ليكشفوا بالتفاصيل والوثائق أدوار بعضهم بعضاً في الجريمة الجماعية المنظمة التي ضحيتها لبنان واللبنانيون. فما قيل عن لبنان في الماضي هو أنه شعب غني ودولة فقيرة. وما صار عليه اليوم بأيدي التركيبة التي حكمته وتتحكّم به والمصرّة على الإستمرار في الحكم والتحكّم هو أنه شعب فقير مسروق، ودولة فقيرة غارقة في الديون، وحكام أثرياء يشاركون ويحمون لصوصاً أغنياء يقفون في واجهة البلد. لكن ما انكشف على العموم حتى الآن هو أن الإتفاقات، كما الخلافات، تقوم على المصالح العارية المغطاة بالشعارات الكبيرة الوطنية والإستراتيجية.

 

يقول المؤرخ البريطاني هيو ترافر-روبر: «كيف نستطيع أن نوضح ما حدث ولماذا إذا رأينا فقط ما حدث ولم ندرس البدائل ونسأل: لماذا لم تحدث الأشياء؟». والخلاف الأخير حول شرعية أو لا شرعية ما قامت به وقرّرته حكومة تصريف الأعمال في اجتماع لمجلس الوزراء خلال الشغور الرئاسي بدعم من الثنائي الشيعي لرئيسها نجيب ميقاتي في مواجهة إعتراض مسيحي، يعطينا جواباً عن السؤال الذي كانت الأجوبة عنه تضليلية قبل نهاية الولاية الرئاسية للعماد ميشال عون. الآن ندرك لماذا إلتقى المختلفون على المناورة والتكاذب المشترك والوساطات الشكلية وفعلوا كلّ ما هو ممكن للإمتناع عن تأليف حكومة، والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال مع التخطيط سلفاً للشغور الرئاسي.

 

ومن المفارقات أن نسمع اليوم من شركاء «حزب الله» كلاماً على إعلاء مصلحته فوق مصلحة شركائه وبناء الدولة. فإما أنهم لم يدركوا ذلك منذ البدء، وهذا جهل سياسي. وإما أنهم كانوا يدركون لكنهم إندفعوا في الشراكة، وهذا ما ينطبق عليه قول الأخطل الصغير: «ومن العلم ما قتل». ونوع الخلاف اليوم بين شريكي «تفاهم مار مخايل»، أي «التيار الوطني الحر وحزب الله» يؤكد أن التفاهم قام على مصالح كل طرف، بصرف النظر عمّا في بنوده وعن خطاب الشعارات الكبيرة.

 

مصالح «حزب الله» مركّبة: بعضها تكتيكي لجهة الحاجة الى غطاء قوة مسيحية لسلاحه خارج الشرعية ودوره الإقليمي، وبعضها الآخر إستراتيجي بعيد المدى يتعلّق بالمشروع الإقليمي الإيراني الذي هو جزء منه وانتظار الظروف الملائمة لتأسيس لبنان آخر. ومصالح «التيار الوطني» بسيطة: ضمان الموقع في السلطة وحماية الدور. وهذا ما حقّقه التفاهم. لكنّ لبنان واللبنانيين دفعوا الثمن الكبير. لبنان تعرّض لتعطيل السلطة والإنتخابات الرئاسية بالتفاهم كما بالخلاف، ولنوع من العزلة في العلاقات مع الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين. واللبنانيون وصلوا الى «جهنم».

 

وقمة الإستخفاف بلبنان واللبنانيين هي إدارة الإنتخابات الرئاسية بمعادلة: إما الرئيس الذي نريد وإما لا رئاسة، كأن البلد في «ستاتيكو» يمكن الإستمرار فيه، وليس في إنهيار يتعمّق كل يوم. وقمة السريالية هي العودة الى «التفاهم» بعد كل ما قيل.

 

يقول ألدوس هكسلي: «الخبرة ليست ما حدث لك بل ماذا فعلت لما حدث لك». فمتى نتعلم هذا الدرس قبل «خراب البصرة»؟