لم تمر مواقف الرئيس السابق ميشال عون التصعيدية ضد وحدة الساحات، وبعده كلام النائب جبران باسيل بشكل عابر، حيث لا تزال تتفاعل وتخضع لتفسيرات متناقضة، فثمة من رأى فيها استفاقة متأخرة بعد مضي خمسة أشهر على اندلاع الحرب، مع انتقادات حادة من الفريق “السيادي”، وربط الانفصال عن حزب الله بمكاسب مسيحية. كما ان مواقف الرئيس عون وباسيل لم تكن سهلة لدى فريق ٨ آذار، الذي طرح تساؤلات عن أسباب التصعيد المفاجىء في في خضم العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان. ومهما كانت الأسباب الحقيقية، فان رفع التيار سقف الإعتراض على الحزب كمعادلة وحدة الساحات جاء مفاجئا، كونه جاء من اعلى الهرم العوني، فمرجعية ومكانة الرئيس عون بالنسبة الى حزب الله تختلف عن المكونات السياسية الأخرى، ولطالما تحفّظ عون عن السجالات بين التيار والحزب التي كان يعبر عنها النائب جبران باسيل في العادة.
خلاف ذلك، فان حرب غزة كما تقول مصادر سياسية، فجرت الخلاف لكنها ليست المسبب الأول، فهناك تراكمات كثيرة في العلاقة التي صارت تشبه “الطلاق مع وقف التنفيذ” مع الشريك في تفاهم مار مخايل، وتتوقف المصادر عند مواقف نواب من الحلقة القريبة من الرئيس عون يتماهون مع مواقف الفريق “السيادي” في موضوع حرب غزة والقضية الفلسطينية. كما تشير المصادر الى رسالتين مبطنتين في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله تتعلق بالملف الرئاسي، اولها ان إيصال رئيس جمهورية “بالدبابة ليس من قناعتنا وثقافتنا ولن نفعلها”، والرسالة الثانية عدم استغياب أحد في ملف الترسيم البري، حيث اكد السيد نصرالله انه في حال حصول المفاوضات مع رئيس المجلس او رئيس الحكومة، فانها ستكون على قاعدة “اخرجوا من ارضنا”، في رد واضح على باسيل.
لم يعد سرا كما تضيف المصادر، ان العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر تعرضت لانتكاسات كثيرة، وتدهورت على خلفية الاستحقاق الرئاسي ودعم الحزب لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، ومشاركة وزراء الحزب في جلسات حكومة تصريف الاعمال التي أدت الى تعيينات وإقرار التمديد في مجلس النواب، فحزب الله ليس ممتنا لتمرّد باسيل الرئاسي وسيره بخيار جهاد أزعور معاكسا ترشيح سليمان فرنجية، فيما التيار لم يهضم تمريرة التمديد لقائد الجيش جوزف عون.
وتعتبر المصادر ان التيار اليوم غير التيار بالأمس وله حساباته السياسية والمسيحية، فيما أولوية حزب الله حرب غزة والجبهة الجنوبية، وليس في حالة “ترف” تسمح له بالتلهي بالخلافات والذبذبات الداخلية.
بين الحزب والتيار ندوبات سياسية محددة، التمديد لقائد الجيش ازعج الحليف العوني الذي خاض حربا كونية ضد التمديد وبقي وحيدا في معركة التمديد، وسبق لميرنا الشالوحي ان مررت رسائل عن عدم الرضى من الشريك، وذهب باسيل الى حد التصعيد بطرح تسوية رئاسية مقابل الصندوق السيادي واللامركزية الموسعة.
من الواضح ان التيار ليس في صدد تموضع جديد او التخلي الكلي عن حلفه مع حزب الله، لكن الواضح انه وضع سلم أولويات تراعي وضعيته وحيثيته السياسية والشعبية، من دون ان يعني ذلك القطيعة مع حزب الله في هذا التوقيت الذي لا يحتمل الخضات، ووفق المصادر السياسية فان التيار حدد مخاوفه من توسع الحرب، وليس صحيحا ما يقال عن ان معادلة حرب تموز ٢٠٠٦ لا تطبق اليوم بالوقوف الى جانب الحزب واهل الجنوب اذا ساء الوضع أكثر.
التصعيد العوني مرده الى اعتبارات مختلفة، فالشارع المسيحي لا يتقبل ربط لبنان بصراع الساحات، ويرفض مبدأ فتح الجبهة الجنوبية للمشاغلة عن غزة، من هنا جاء الموقف العوني ليحاكي هواجس الشارع المسيحي، خصوصا ان التيار يعاني من اشكاليات عدة في شارعه، ولم يعد الفريق المسيحي الأقوى، ويشكو اليوم من تراجع قوي في الشعبية المسيحية المؤيدة له.
لدى التيار اليوم مقاربة خاصة للمواجهة على الجبهة الجنوبية، تدعو الى ضرورة التزام المقاومة قواعد الاشتباك ومراعاة الوضع اللبناني أولا، ومنع الفصائل الفلسطينية من استخدام لبنان “منصة” لإطلاق الصواريخ، لتحييد لبنان عن الانغماس في الحرب التي تريدها “اسرائيل”. واكدت المصادر ان ورقة التفاهم ليس فيها مكان لربط ووحدة الساحات، فقد تضمنت بندين أساسيين دعم المقاومة اولا، والتيار لم يقصر في هذا البند، اضافة الى فقرة اصلاح وبناء الدولة، والأمر لم يتحقق وذهبت البلاد الى الانهيار.
ووفق المصادر فان علاقة الحزب والتيار تخضع اليوم لتوازنات معينة، ويهم التيار ان يتجنب المزيد من “الخيبات” التي تؤثر على وضعه في البيئة المسيحية، وعدم تعريض لبنان للحرب، وتفادي توتير علاقته بالدول العربية والعواصم الإقليمية، ومن جهة حزب الله لا مجال اليوم لمسايرة أحد او المساومة في موضوع المعركة مع “إسرائيل”، وما يتعلق بعمل المقاومة في لحظة مصيرية من الصراع مع “اسرائيل”.