Site icon IMLebanon

التفاهم لا يزال حاجة وطنية ماسّة

 

في 6 شباط 2023، يدخل التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله عاماً جديداً غير اعتيادي. في كل مرة، كانت المحطة احتفالية تعكس أهمية التفاهم وإنجازاته وضروراته الوطنية وانعكاساته على مجمل الواقع السياسي والاجتماع الوطني، لا بل تتعداه إلى المحيط القريب والأوسع، في سعي لإيقاف خطط إفراغ هذا الشرق من تنوعه الغني بأبعاده المختلفة.

 

لقد أنجز التفاهم الكثير ووضع مشتركات وطنية أساسية في مناح مختلفة، في الأمور التي كانت تشكل تحدّيات ومعضلات في السياسة اللبنانية، وفي أساسها التكافل والتضامن بين كل المكوّنات الداخلية والشراكة الوطنية الفعلية والفاعلة، وتحويلها من شعار لا يعكس واقعاً، إلى واقع يعكس الحقيقة، وعلى الأخص في مسألة التشاركية في القرار بين المكوّنات والطوائف المسيحية والإسلامية التي كانت موقع شكوى سابقة.

استطاع التفاهم أن يأخذ بهذا الاتجاه ويثبّته بقوة، ضمن الواقع والظروف المتاحة والتعقيدات التي لا تنتهي في بلد كثير التغني بالوطنيات الفارغة، فيما أيدي الخارج تكاد تختصر أدوار الكثيرين فيه بالانصياع لتنفيذ أوامره ومصالحه. ولأنه الغرب، ولأنها دول عربية تابعة له، تصبح تدخلاته مصلحة وطنية سيادية، فيما المطلوب واحد: إلحاق البلد بمنظومة التطبيع وسلخ مكتسباته في التحرير وامتلاك أسباب القوة التي كان آخر إنجازاتها ترسيم الحدود والحفاظ على ثروة الأجيال اللبنانية.

 

ما ذكرناه ليس استطراداً، بل هو في صلب الموضوع الذي يطرح اليوم حول التفاهم. ففي ظل واقع متعدّد الطبقات في تعقيداته السياسية والطائفية، تحتاج مقاربة المسائل إلى نقاشات معمّقة ومقاربات تأخذ كل الوقائع القائمة من مختلف الزوايا في الاعتبار، وتعمل على ابتكار حلول قابلة للنفاذ في هذه البيئة الملوثة بكل شيء.

من هذا الهمّ كتبنا في الأعوام الماضية أن الوقت حان، بل سبقنا، وأن بند بناء الدولة يحتاج إلى جهد مشترك لوضع مراسيمه التطبيقية والتوافق على محتواه، بما يتلاءم مع الوضع الداخلي، وهذا لم يأخذ مجراه العملي إلى الآن، لذا لا يمكن القول إن بند بناء الدولة مختلف عليه فيما لم يناقش كما هو مفترض.

بناء الدولة يقتضي الحوار العميق الهادئ البعيد عن الصخب وتفحّص الأشياء بدقة للخروج بنتائج تبني الدولة ولا تأخذها إلى الانتحار الطوعي.

ولأن بناء الدولة ووجودها وسيادتها واشتداد عودها قناعة راسخة لدينا، وحاجة ملحّة نؤكد عليها، فإن هذا يستدعي التوجه إلى الحوار غير المرتبط بمصلحة اللحظة السياسية وضغوطها، بل بالمشروع الوطني الكبير على عادة ما جرى من نقاشات سابقة في التفاهم.

أما في الشراكة الوطنية العامة، والإسلامية – المسيحية الخاصة، فإن سلوك وسير وأداء التفاهم كما ذكرنا آنفاً لا يرقى إليه شك، على مر 17 عاماً كان هذا موضع عناية شديدة وتفاهم ومتابعة وتساند، وحققنا الكثير وما زالت أمامنا إنجازات مطلوبة، لذا علينا إقصاء المقاربات المتصلة بالراهن السياسي وتفعيل الحوار للانتقال إلى حفظ الطوائف، وإخراج الوطن من الارتهان للطائفية السياسية وأقطابها التي لا تريد مغادرتها.

 

إن نقطة الارتكاز هي عامل القوة الذي مثّلته المقاومة في كل المراحل السابقة وأمّنت من خلال معادلتها، جيش – شعب – مقاومة، توازناً فاعلاً أتاح استقراراً مشهوداً، واستطاع أن يكون داعماً لمسار الترسيم البحري الذي خاضته الدولة اللبنانية في مواجهة العدو.

هذا الإنجاز وهذه القوة ونتائج العمل، تشكل كاشفاً أساسياً للمستقبل وكيفية معالجة القضايا. لقد تم التعاون مع كل مكوّنات السلطة للوصول إلى هذه اللحظة الحاسمة، وهذا يعني أن عملية البناء والدخول في مرحلة جديدة تقتضي العمل مع الجميع، لإشراكهم في المشروع، لأنه – ببساطة شديدة – لا يمكن إلغاء أحد أو استضعاف أحد أو تغييب أحد. عندها لن تبنى دولة ولا وطن، ونعيد إنتاج المأساة مجدداً.

هذا التفاهم كما قدّم الكثير للبنان بكل مكوّناته، ما زال حاجة وطنية ماسّة للجميع، خصوصاً أن أقطابه يمثلون أمل اللبنانيين، وينتظر الشعب منهم الوصول به إلى شاطئ الأمان الحقيقي.

 

* قيادي في حزب الله