Site icon IMLebanon

وبارِكْ يا سيّد.

.

 

يروي الشاعر الكبير بولس سلامة: أنَّ أهل قريةٍ جنوبية اعتزموا بناء كنيسة فقصدوا أحد كبار الوجهاء الملاّكين من غير طائفتهم للتبرّع للكنيسة، على أنْ تقام على إسم القديس أنطونيوس الناسك، ولمّا رأى صورة القديس تمثّل زاهداً كئيباً صَرفَهُمْ غـيرَ راضين، فخطرَ لأحدهم أنْ يأتيهِ بصورة القديس جرجس وعرضوا عليه الصورة وتحتهُ الجواد منتصباً على رجليه، وكان الرجل تستهويه البطولة فقال: لا شُلَّتْ يمينك يا خضر، يا راعي الأدهم، وتبرّع للكنيسة بعشرين ليرة ذهباً.

لهذه الرواية غيرُ معنىً ومغزىً: فهل هي تعني أنّ الذين يتباهون بالبطولة يحتاج التفاهم معهم إلى نوعٍ آخر من القدّيسين…؟

وإذا كان هناك من يرى فيها شيئاً من التطابق مع تفاهم مار مخايل: بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، فإنّ في الأمر بعضاً من الحكمة والعبرة.

مهلاً… نرجو ألاَّ تتسرّعوا بالإستنتاج.

يوم أُعلنَ هذا التفاهم، طالما تمنَّيْنا أنْ تكون العلاقة بين الحزب والتيار، على أشدّها عمقاً ووثوقاً لتشكّل أنموذجاً حقيقياً صادقاً لتفاهمات وطنية بين مختلف التيارات والأحزاب، لأنّ أخطر ما أصاب لبنان من بلاءٍ عبْرَ عمْقهِ التاريخي هي تلك الصراعات والإنقسامات الدينية الحادّة التي لا تزال تجرّر أذيالها حتى اليوم.

 

وكنّا وما زلنا، كلّما ضاقتْ عندنا آفاق السياسة، نستنبطُ من تحت الرماد شرارات النار الطائفية، وتظلّ هذه النار حركةً دائرية تنطلق منك لترجع إليك.

 

لم يعد من مصلحة لبنان عقدُ اتفاقات وتفاهمات محكومة بالأهواء الذاتية والمصالح الثنائية بكلّ ما تحمل من مواجهاتٍ ومعاكساتٍ وانتكاسات.

 

عندما يكون الخلاف على الصعيد الوطني، بين التيّار الوطني الحـر وحزب اللـه كما يقول رئيس التيّار: «هو خلاف إيديولوجي وفكري وعقائدي» يكون التيّار أقرب إلى القوات اللبنانية منه إلى حزب الله.

 

وعندما يكون الخلاف السياسي بين الحزب والتيّار: حـول بناء الدولة ومكافحة الفساد والتحقيق الجنائي، وانتخاب رئيس للجمهورية، واجتماعات مجلس الوزراء الميثاقية، فعلى ماذا إذاً يكون التفاهم…؟

 

ليس من أدبياتنا الخلقية أنْ نتناول موضوعاً بهذا الحجم على سبيـل التشفّي، إلاّ أن يكون النقدُ وسيلة لتحاشي الصدمـة وخيبة الأمل إلى توخّي المأمول.

 

إنّ لبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى اتفاقات بالمعنى الوطني: إلى ثنائية إسلامية – مسيحية، هي أشبهُ بالميثاق الذي يقوم على مفاهيم مصيرية والتزام أخلاقي، والميثاق في لبنان كان منذ الإستقلال مساوياً للدستور، بما يعني حكمة التشريع بالنيّات الحسنة، وفلاسفة الأخلاق يقولون: «حتى جهنّم مفروشةٌ بالنيّات الحسنة…».

 

يقول سماحة السيد في أعقاب أحداث الطيونة: «البلاد على ما هي عليه تحتاج إلى انفتاح إسلامي – مسيحي أكثر من أي يـوم مضى…»

 

والبلاد بما هي عليه تحتاج إلى السيد بما عناهُ الحديث النبويُّ الشريف: «سيّد القوم خادمهم»، وبما عناهُ الحديث العيسويُّ الشريف: «الكبير فيكم فليكنْ لكمْ خادماً».

 

هكذا وقـف كبير مندوبي مقاطعات هولندا يوم عُقدتْ معاهدة «أوترخت 1716» بين الدول الأوروبية المتنازعة حـول حرب الخلافة الإسبانية: «ليقول لممثلي المقاطعات سنوقّع السلام عندكم ولكمُ ومن دونكم».