IMLebanon

حصاد حدثين في شباط

 

لا شيء يكمل التذكير بما حدث سوى التفكير في ما يجب أن يحدث. وفي كل شهر أكثر من ذكرى في لبنان، بعضها حلو ومعظمها مرّ. ليس فقط خلال الحرب الطويلة بل أيضاً في مرحلة ما بعد وقفها والتي كانت ولا تزال، على الرغم من “اتفاق الطائف” وبسبب ما رافق تنفيذه وعدم تنفيذه من انحرافات على يد الوصاية السورية، أخطر من الحرب. وما أكثر الذكريات في شهر شباط على مدى عقود. لكن أبرز حدثين في شباط كانا استشهاد رفيق الحريري اغتيالاً عام 2005، وتوقيع “تفاهم مار مخايل” عام 2006، بين العماد ميشال عون زعيم “التيار الوطني الحر” والسيد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله”.

 

إغتيال الحريري أحدث زلزالاً سياسياً عميقاً قاد إلى أكبر تظاهرة سلمية شعبية عابرة للطوائف والمناطق في تاريخ لبنان يوم 14 آذار. تظاهرة أدّت إلى تغيير كبير في موازين القوى الداخلية ورافقها أقوى موقف دولي، بحيث أُجبر النظام السوري على الإنسحاب العسكري الكامل من لبنان معلناً أنه ينفذ القرار1559 الذي وصفه أنه “تافه” عند صدوره. وما تغيّر ليس فقط قيام “قوى 14آذار” في مواجهة “قوى 8 آذار” بل أيضاً تنامي “فكرة 14 آذار” السيادية لدى جمهور واسع من خارج الأحزاب والقيادات. قوى 14 آذار الحزبية تفرّقت مع الوقت وتبدّلت حسابات قادتها وارتكبت أخطاء عبر تنازلات بحجة منع الفتنة، دفع ثمنها لبنان واللبنانيون غالياً. أما قوى 14 آذار الشعبية، فإنّها لا تزال حيّة متمسّكة بالفكرة والروح ومصرّة على السيادة في مواجهة القوة الإقليمية التي أخذت مكان سوريا في الهيمنة. وأمّا الحريرية السياسية التي أعلن زعيمها سعد الحريري تعليق العمل السياسي واللامشاركة في الإنتخابات، والتحذير من ظروف صعبة على البلد حيث التغيير مهمة مستحيلة حالياً، فإنها محكومة بأن تظل حارسة “الإعتدال” في البلد.

 

و”تفاهم مار مخايل” بقيت بنوده في معظمها حبراً على ورق، باستثناء التفاهم غير المعلن على إيصال العماد عون إلى رئاسة الجمهورية. وهو ما كلّف البلد شغوراً رئاسياً على مدى عامين ونصف. وطبعاً باستثناء الغطاء الذي أمّنه “التيار الحر” لسلاح “حزب الله” ودوره. والباقي جرى عكسه. بدل “الحوار وإعلاء المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى” كان الإستقواء على اللبنانيين وتقديم مصالح الطرفين على المصلحة اللبنانية. وبدل حصر السلاح بمقاومة العدو الإسرائيلي توسع الدور الإقليمي له إلى ما هو أبعد من حرب سوريا وصراعات العراق وحرب اليمن.

 

والنتيجة أمامنا فوق ما نحن فيه من انهيار. الدور الإقليمي لسلاح “حزب الله” تحت غطاء العهد الرئاسي له، أنهى دور لبنان العربي وأدخله في قطيعة مع دول الخليج. وانحياز الرئيس عون لفريق واحد وخصومته لمعظم الفرقاء أنهى دور “الرئيس الحكَم” الذي يحفظ التوازن في الداخل، ولم يؤدِ إلى دور “الرئيس الحاكم”.

 

والطريق المسدود أمامنا، يجب فتحه لكي نحقّق فكرة عالم الكومبيوتر آلان كاي: “أفضل طريقة لتوقع المستقبل هو ابتكاره”.