في ضوء المواقف الاخيرة للامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله يعتقد البعض انّ احتمالين لا ثالث لهما باتا يتربّصان بـ«تفاهم مار مخايل» بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»: إمّا تعديله بما يؤسّس لصفحة جديدة في العلاقة بين الطرفين تليق بالواقع الجديد الناشىء بعد خروج الرئيس ميشال عون من رئاسة الجمهورية، وإمّا زوال التفاهم او تحوّله علاقة عادية يعود معها كل من الطرفين الى عرينه، ومن ثم الانطلاق في مرحلة جديدة من العلاقة بينه وبين الافرقاء السياسيين الآخرين.
يرى فريق من السياسيين ان السيد نصرالله بَدا متمسّكاً بـ«تفاهم مار مخايل» وانه لن يخرج منه إلاّ اذا بادر «التيار» بمحض ارادته الى هذا الخروج، بدليل قوله «انّنا في السّياسة، إذا وضعنا يدنا بيد أحد لا نبادر إلى سحبها إلّا إذا أراد الحلفاء ذلك، ونحن لا نجبر أحداً على التّحالف أو الصّداقة أو التّفاهم». ولكن نصرالله ترك في المقابل الحرية لـ«التيار» في اعتماد الخيار الذي يريد بقوله: «كنت أقول دائماً لرئيس التيار النائب الصديق جبران باسيل إنّه في أيّ وقت تشعرون بالحرج والضّغط، وانّ الاستمرار في التّفاهم يشكّل لكم عبئاً أو حرجاً، كونوا مرتاحين ولن نكون منزعجين، ويمكن القيام بأيّ صيغة أخرى نتعاون بها كأصدقاء».
الى الآن يرى «حزب الله»، في رأي مطلعين على موقفه، ان فتح الصفحة الجديدة في العلاقة مع «التيار» يكون بالاتفاق بينهما على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، وتحديداً رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، لأنّ له الأولوية في الترشيح استناداً الى نتائج استحقاق العام 2016 الذي جاء بالعماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية نتيجة إصرار «الحزب» وتمسّكه به، رغم الإحراج، بل والارباك، الذي تعرّض له نتيجة ترشيح الرئيس سعد الحريري آنذاك لفرنجية والذي حاول ان يضعه في موقع المُفاضلة بين حليفين: حليفه عون الذي وقف الى جانبه في كل المحطات بحلوها ومرّها من العام 2006 الى العام 2016 وبين رئيس تيار «المردة» حليفه التاريخي في كل المحطات منذ عشرات السنين، وكان ان تم اتفاق «جنتلمان» يومها على انتخاب عون رئيسا على أن يكون فرنجية المرشح الرئاسي عام 2022 أيّاً كانت الظروف. وقد إحترم فرنجية التزام «الحزب» الادبي والسياسي والرئاسي تجاه عون ولم يحرجه على رغم من انّ فرصته كانت كبيرة جداً في الفوز بالرئاسة يومها لو أصَرّ على التمسك بترشيحه الذي حظي يومها بدعم عربي ودولي كبير شكّل دافعاً للحريري الى تَبنّيه.
ولكن، الى الآن ايضاً، يرفض باسيل السير بترشيح فرنجية رفضه لترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون في الوقت نفسه، ويطرح اللجوء الى خيار ثالث، الامر الذي يوسّع مسافة التباعد بينه وبين «الحزب» الى ما يشبه القطيعة او «الطلاق السياسي» بينهما، الى درجة انّ كلاً منهما بدأ يتصرف على اساس انه «تحرر» من أي التزام تجاه الآخر، فراح باسيل يجول على مختلف القوى السياسية والمرجعيات الدينية مسوّقاً افكاره حول الاستحقاق الرئاسي ومجمل الاوضاع التي تمر بها البلاد، وذلك في رسالة غير مباشرة منه الى الحزب مفادها أنه يمكنه ان يكون في حِلِّ من أي التزام تجاهه ويتعاون أو يتحالف مع اطراف آخرين، بعد كل ما «كابَده» في علاقاته مسيحياً وداخلياً وخارجياً نتيجة «تفاهم مار مخايل» ودفاعه عن سلاح «الحزب» والمقاومة التي يقود.
وفي المقابل رفع «الحزب» من وتيرة تواصله مع القوى السياسية المسيحية والمرجعيات الدينية وعلى رأسها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، موجّهاً رسالة غير مباشرة الى «التيار» مفادها انه هو ايضاً تحرر من التزامات العلاقة معه والتي تسببت بـ«جفاء» واحياناً قطيعة، في علاقاته مع مختلف القوى المسيحية السياسية والدينية رغم حرصه الدائم عليها، وذلك مراعاة منه لمتطلبات «التيار» ودعماً له في مواجهة منافسيه السياسيين على الساحة المسيحية عموماً.
ولعل مأخذ الحزب الاساسي على باسيل في هذه المرحلة انه أفشى سرية المداولات بينهما خصوصاً حول الاستحقاق الرئاسي، خاصةً إفشاؤه امر تأييد ترشيح فرنجية وتفاصيل أخرى، فالحزب حرّضه على هذا الامرـ السر لاعتبارات كثيرة الى ان يحين أوان الاعلان عنه أو عن اي خيار آخر تبعاً لما سترسو عليه التطورات المحيطة بالاستحقاق الرئاسي. وفيما الحزب لم يعلن حتى الآن رسمياً تأييده ترشيح فرنحية، إذ به يفاجأ بباسيل يطل من باريس وفي لقاءات في بيروت يهاجم فرنجية وقائد الجيش وآخرين وينادي بخيار ثالث لرئاسة الجمهورية من دون ان يسقط ضمناً احتمال ترشّحه شخصياً للرئاسة رغم انه استبعده علناً وجهاراً في بعض اطلالاته الاعلامية ولقاءاته السياسية. فالرجل يعتبر نفسه رئيس اكبر كتلة نيابية والاكثر تمثيلاً سياسياً ونيابياً على المستوى المسيحي، ويعتبر ايضا ان هذا الواقع يعطيه الحق في ان يكون «الناخب الاكبر»، والبعض يعتبره «الممر الالزامي» لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. ما يخوّله ان يكون «بيضة القبان» او «الصوت المرجح» بين الخيارات التي يمكن اعتمادها او التوافق عليها لإتمام هذه العملية الدستورية.
نقاشات طويلة مباشرة وغير مباشرة دارت وستدور بين «الحزب» وباسيل وكذلك بين الاخير وبين من يجول عليهم هذه الايام، ولكن لا نتائج أسفرت عنها الى الآن، إلّا ان هذا الأمر، في معلومات المتابعين، لن يطول كثيراً، فبقاء «تفاهم مار مخايل» مِن عدمه مرهون بقبول باسيل بترشيح فرنجية، فإن أيّدَ باسيل رئيس تيار «المردة» يدخل هذا التفاهم «عصراً ذهبياً جديداً» بين طرفيه، أما إذا أعرضَ باسيل عن ذلك وفاز فرنجية من دون حاجة الى أصوات تكتل «لبنان القوي» فسيسقط التفاهم، كذلك سيسقط حتماً حتى ولو توافقَ الجميع على انتخاب قائد الجيش، إذ ان المطلعين على موقف «حزب الله» يؤكدون انه بات بعد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية غير ما كان قبله على مستوى نهجه السياسي الداخلي، وحتى على مستوى نهجه في التعاطي مع الواقع الاقليمي. إذ يتجه الحزب الى مزيد من الانفتاح السياسي على مختلف الافرقاء الداخليين، وكذلك الانفتاح الايجابي على الاوضاع والمواقف العربية والدولية، لا سيما منها المتصلة بلبنان ومستقبل الاوضاع فيه.