Site icon IMLebanon

المردة «يكتشفون» خطاب العونيين: هذا ما حاربناه 40 عاماً

ليس رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لاعباً حيادياً في السياسة المحلية. هو جزء من محور كلّفه الكثير سابقاً، على المستويين السياسي والشعبي. بيد أنّه لم يتوانَ يوماً عن التشبث أكثر بمواقفه. تلقى كل تلك النتائج السلبية بصدر رحبٍ.

لماذا؟ لأنه أن يختار طرف ما أن يكون جزءا من محور، فهذا يُرتب عليه تقديم تضحيات كثيرة من دون تأفف، طالما أنها تخدم المصلحة العامة لفريقه. يكفي أن يدير فرنجية رأسه قليلاً باتجاه الساحة السورية حيث يخوض حزب الله منذ أربع سنوات حرباً كلفته، وستُكلفه الكثير، ليعتبر. ليس المطلوب من فرنجية أن يُقدم نفسه ذبيحة كرمى لعيون العماد ميشال عون وأن يمضي جمهوره كلّ وقته متسائلاً: «لماذا علينا نحن دائماً التنازل عن حقنا من أجل مصلحة الفريق؟». ولكن السؤال مشروع: لماذا سليمان فرنجية الذي رفض مقعداً وزارياً تارةً وآثر عدم استفزاز العونيين في مناطق نفوذهم في جبل لبنان تارةً أخرى، أصبح حين قرّر النائب سعد الحريري إطلاق مبادرة رئاسية تجعل منه رئيساً للجمهورية كمن ينتظر إشارةً لينطلق في رحلة العداء مع عون، الذي رفعه المرديون في فترة سابقة إلى مرتبة الأب؟

كانت هناك فرصة جدية لإقامة تحالف إستراتيجي بين التيارين حُضرت أرضيته بشكل فعال، برزت على نحو أساسي من خلال التفاعل بين القاعدتين إلى حدّ بات من الصعب التفريق بينهما. على العكس من حزبي الكتائب والقوات اللبنانية، مثلاً، اللذين فشلا في محو سنوات الخصومة من أنفس جماهيرهما. لم يكن أحد يتصور، في أحسن الأحوال، أن يُفض الوئام بين «شقيقي» الأمس ويتحولا إلى عدوين. تُرجم ذلك من خلال تغريدة فرنجية الشهيرة قبل أيام. ليظهر وكأنه محاربٌ أصبح ظهره مكشوفاً. لم يعد لديه ما يخسره، فبدأ يرشق الرصاص يميناً ويساراً علّه يصيب أحد الأهداف.

الدائرة الضيقة المحيطة بفرنجية ترفض الإعتراف بأنّ مبادرة الحريري ــ فرنجية أُجهضت، لأنّ «هناك مرشحين جديين، وانتخاب شخص ثالث غير وارد. الحريري لم يصل إلى مكان بعد يُعلن فيه دعمه لعون». فعل المكابرة الذي يُمارسه المردة مردّه أيضاً الى أنّه «إذا كانت مبادرة عون محلية، فهناك لاعبون أساسيون غير راضين عنها. أما إذا كانت المبادرة إقليمية فلم يظهر الغطاء المُقدم لها». في كلّ مرة، يبدو التذكير ضرورياً بأنّ «ترشيح فرنجية أتى بعد سنة ونصف سنة، في وقت كان أفق انتخاب عون مسدوداً». كان فرنجية في الفترة الأولى يقول إنه «داعمٌ لعون»، ولكنه لم يكن يوماً «زاهداً بالرئاسة إذا ما أتى الدعم من قبل فريق 14 آذار». خيبة أمل المردة ناتجة من كونه «توقعنا تعاطيا عونيا مختلفا معنا. لم يتعاملوا بهذه القسوة مع ترشيح (رئيس حزب القوات اللبنانية سمير) جعجع. لماذا يحق لوسائل الإعلام البرتقالية أن تشتمنا ليل نهار ونحن ممنوع علينا أن نُدافع عن أنفسنا؟».

تقول مصادر المردة إنه في اللحظة السياسية الحالية نبيه بري هو الحليف الأول

الحلف بين التيار الوطني الحر وتيار المردة عمره عقدٌ من الزمن تقريباً، «كنا نتغنى فيه بأنه من رأس الهرم حتى القاعدة». لم يبخل هذا التحالف بالنتائج الإيجابية على المردة. ولكن، كانت هناك «حساسيات» يُحاول الطرفان غض الظرف عنها، هي «احتكار التمثيل من قبل العونيين، إنزعاجهم من وجودنا في لجان 8 آذار للتنسيق، يخوضون مفاوضات وحدهم مع القوات. كان فرنجية عند كل إطلالة إعلامية يذكر عون عشرات المرات وهم لا يذكروننا مرة، طلبنا منهم أن يقوموا بذلك أقله من أجل جمهورنا من دون أن يلبوا الطلب». الأساس هو أنّ في «التيار العوني من لا يريدنا أن نكون موجودين. الكثير من الأمور لم نكن راضين عنها ولكننا كنا نسكت من أجل الخطّ الذي تبنيناه».

يرفض هؤلاء القول إنّ الوطني الحر هو الذي أمن طريق المردة إلى جبل لبنان، «هم تمكنوا من تسويق خيارنا أكثر منا وبذلك استفدنا، ولكن لم يكن هدفهم تسويقنا نحن». بإصرار يقولون إنهم تنازلوا عن حضورهم في الكورة والبترون «وبعض مرافقي (جبران) باسيل من رجالنا ولكننا اليوم نعيد تنظيم حضورنا».

لم يعد ما يُفرق التيارين محصورا بالأمور التنظيمية، «نحن اليوم نختلف معهم بالسياسة بما أنهم يحملون الخطاب الذي حاربناه 40 سنة. صحيح أنه يجب أن تُعزز الشراكة في الدولة ولكن لا نرى خطراً وجودياً على المسيحيين». بلغت الأمور حدّ أن «لا شيء يُصالحنا مع التيار سوى انسحابنا من السباق الرئاسي». وهذا الشيء مستحيل بسبب «عزّة نفس البيك». تعود المصادر إلى الشرح بأنّ «شخصيات عدّة دعمت ترشيح فرنجية، أبرزها الرئيس نبيه بري والحريري. لماذا عليه الإنسحاب؟». ولكن إذا «توصلنا إلى توافق وطني حول إحدى الشخصيات، فأكيد ننسحب لعون أو غيره»، من دون حسم ما إذا كان الانسحاب سيتضمن إسقاط ورقة عون في الصندوق بعدما وصل الخلاف السياسي إلى مرحلة متقدمة، تُوج بتلك التغريدة. «سليمان مش حدا في يهجم عليه ويكون ديبلوماسي»، علماً أن أيا من القيادة العونية لم يتعرض له أخيراً. تعترف المصادر بذلك، ولكن «كما عاملتني أعاملك». هي كيدية سياسية، فهل يُمثّل وصول عون خطراً وجودياً على المردة؟ «انتخابه ليس نهاية وجودنا ولكننا اليوم ضد وصوله».

أكثر من يُطمئن المردة اليوم هو بري، الذي وفقاً لمعلومات «الأخبار» كان المحرض الأول لتصعيد فرنجية ضد عون بعدما كان قد أبلغ نادر الحريري بأنه سينسحب له. الدائرة المقربة من فرنجية لا تنفي ولا تؤكد ذلك، لكن بالنسبة لها «بري لاعب أساسي وعلى العكس من العونيين لم نعتبره مرة ثانوياً». هل هو إذا حليف المردة الأول وليس حزب الله؟ «في اللحظة السياسية الحالية أجل، ولكن العلاقة متينة مع (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصرالله فهو رمز للعنفوان ولا مجال للمفاضلة بينهما».

أما سعد الحريري، “فثمة اختلاف في السياسة بيننا، والمواضيع الخلافية استُثنيت من نقاشنا معه. الاكيد أنه إذا انتخب فرنجية رئيساً، فلن يكون خطابه خطابَ 8 آذار، بل وطنيا. والحريري أيضاً. خطابه كرئيس للحكومة لن يكون 14 آذار”. ماذا سيميّز سليمان فرنجية إذاً عن ميشال سليمان؟ “بعيد الشر”، يجيب أحد المقربين من فرنجية ضاحكا.