منذ أن «التمّ» جيرانه حول منزله لرشقه بالبيض، توقف النائب السابق سمير فرنجية عن التوجه إلى منزله الصيفيّ في إهدن. أما رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، فيبيع سنوياً واحدا أو أكثر من عقارات الرئيس رينيه معوض التي ورثها أباً عن جد، بعدما سحب تيار المستقبل المئذنة من تحته.
وهو يملأ وقته هذه الأيام بإطلاق مشروع ممول من وكالة التنمية الأميركية (USAID) لتأهيل شبكة مياه الري في إحدى البلدات العكارية تارة، ويحاضر في مؤتمر لاستهلاك الطاقة المستدامة ممول من الاتحاد الأوروبي طوراً، إلا أن المفارقة تكمن في عدم استفادة تيار المردة من تقاعد خصومه في معقله الأساسي، للتركيز أكثر على المناطق الأخرى. والبداية شمالاً من عكار التي مثلت مع الوزير السابق عبد الله الراسي الامتداد السياسي الأبرز لزعامة آل فرنجية: يحافظ النائب السابق كريم الراسي على حضور سياسي متواضع هنا، لكن لا يسجل أي حضور ــ ولو عبر مكتب وسكرتيرة وبعض المحازبين ــ لحزب المردة.
المردة أشبه بالاشتراكي حين تحوّل جنبلاط إلى معشوق الجماهير في عكار والمنية والضنية
يتحرك الراسي كأي مرشح للانتخابات النيابية لا كمدير مؤسسة حزبية يفترض أن يكون لديها محازبون وهيئة في كل قرية واجتماعات حزبية ونقاشات وآلية خدمات وإنماء وغيره.. أما في طرابلس، التي كانت هي ــ لا بيروت ــ مدينة آل فرنجية التي ولد فيها رئيس تيار المردة وشب في أحيائها، فلا يزال حراك تيار المردة خجولاً جداً، برغم تلمس كل المقربين من فرنجية حرصه الشديد على تحسين علاقته بالمدينة التي أعطته عام 2005 عدد الأصوات نفسه الذي حصل عليه عام ألفين (نحو 27 ألف صوت). والغريب هنا أن عدد المنتسبين إلى تيار المردة لا يصل إلى 0.1 بالمئة من عدد هؤلاء المقترعين لفرنجية. وفي هذا دليل واضح على اكتفاء قيادة المردة بتعيين مسؤول في كل منطقة لتسجيل حضور رسمي في بعض المناسبات، بدل إنشاء حزب بالمعنى التقليدي للكلمة. ومن طرابلس إلى البترون التي تقدم فيها فرنجية عام 2005 النائب بطرس حرب وكل المرشحين على لائحته بنحو ألفي صوت، في دليل واضح على شعبيته الاستثنائية في هذا القضاء. يسجل هنا بعض الأنشطة مقارنة بالأقضية الأخرى، فينظم كل بضعة أشهر «كرمس» أو يوم طبي أو احتفال بمناسبة عيد الميلاد، وينتظر تعيين لجنة إدارية للمردة في البترون خلال بضعة ايام. ويشار بترونياً إلى وجود علاقة شخصية وطيدة تجمع فرنجية برئيس بلدية البترون مرسلينو الحرك ساحلاً، وآل يونس في تنورين، إلا أنها لم تتحول إلى علاقة حزبية، في ظل انخراط الحرك أكثر فأكثر بفريق عمل الوزير جبران باسيل، فيما لم يصدر عن آل يونس رد فعل تجاه ترشيح «المردة» في الانتخابات المؤجلة المحامي وضاح الشاعر غير الراضين عنه. وبالوصول إلى الكورة، يبدو وضع المردة أفضل بكثير مما هو عليه في سائر الأقضية: بموازاة الوزير السابق فايز غصن، الذي ينشط على غرار الراسي بصورة مستقلة كأنه مجرد حليف لتيار المردة لا نائب رئيس الحزب، ثمة حزب لديه أربعة مكاتب أبوابها مفتوحة «24 على 24»، وتحاول تقديم ما أمكنها من الخدمات، وبات هناك مجموعة صغيرة في كل بلدة كورانية دون استثناء. ويلاحظ هنا أن الحزب يختار المحازبين، بدل أن يحصل العكس. ويبدو واضحاً أن المحازب في تركيبة الكورة أشبه بمفتاح انتخابي يؤدي دور صلة الوصل الخدمية بين الناخبين وقيادة الحزب. وبموازاة هؤلاء، يستفيد «مردة» الكورة من وجود عدة شخصيات سياسية ورؤساء مجالس بلدية يدورون في فلكه، لعل أبرزها الدكتور وسام عيسى الذي يستفيد من إرث عائلته القومي الكبير وعلاقاته وإخوته كأطباء محترمين في مستشفيات الشمال منذ أكثر من ثلاثة عقود. أجواء الكورة الإيجابية تبددها أوضاع بشري السلبية. فبعيداً عن مقارنة التوسع القواتي في زغرتا، برغم كل الصعوبات، بالانكماش المردي في بشري، برغم كل التسهيلات، لا تزال الرقعة الخضراء في بشري صغيرة جداً: حرص فرنجية على اختيار مجموعة مميزة من المحامين والأطباء لإدارة الحزب في هذا القضاء، لم يوازه حرص على تفعيل هؤلاء. ويبدو لافتاً لبعض أبناء القضاء تحويل الخدمات غالباً إلى مكتب النائب السابق جبران طوق، كأن قاصديهم كانوا يعجزون عن الذهاب عند طوق مباشرة. ويشير أحد المسؤولين المرديين إلى بحثهم هذه الأيام في كيفية تفعيل الهيئة الإدارية واستقطاب مؤيدين، مؤكداً أن التقصير لا يتحمله أبداً المسؤولون الحاليون إنما غياب الدعم.
وبناءً عليه فإن وجود المردة شمالاً كحزب، لا كجمهور معجب بمواقف النائب سليمان فرنجية السياسية، لا يزال خجولاً جداً. وصورة المردة هذه أشبه بصورة الحزب الاشتراكي حين تحول النائب وليد جنبلاط عامي 2005 و2006 إلى معشوق الجماهير في عكار والمنية والضنية، فيما حافظ حزبه برغم ذلك على حضوره الشكلي المتواضع في هذه الأقضية. فالحزب هنا وهناك لزوم ما لا يلزم.