أحدثت الثورة الشعبية التي اندلعت في 17 تشرين الأول الماضي تصدّعاً في الطبقة السياسية الحاكمة، ولم يعد الكلام جائزاً عن قوى تستأثر بالمشهد أو تحتكره بل دخل الشعب كقوة أولى ومؤثرة.
باتت مقولة “ما بعد 17 تشرين ليس كما قبله” حقيقة واقعة، فما حصل في محيط مجلس النواب بالأمس دلّ على أن شيئاً كبيراً قد حدث، فالشعب منع النواب من الوصول إلى المجلس، فيما كانت مواكب النواب والوزراء “تعربش” على المواطنين سابقاً، كذلك، فإن مشهد هروب بعض النواب لدى وصولهم إلى المجلس النيابي كان خير دليل على أن الشرعية الشعبية عن هؤلاء سقطت، فنتيجة عجز النواب عن محاسبة الحكومة، حاسب الشعب النواب المقصرين.
لم يستطع العدد الأكبر من النواب الراغبين باتمام عقد الجلسة التشريعية من الوصول إلى المجلس، في وقت قاطعها عدد من الكتل وكان آخرها إعلان كتلة “المستقبل” في اللحظات الأخيرة عدم حضورها الجلسة ما أفقدها النصاب، بعدما كان أعلن كل من احزاب “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” و”التقدمي الإشتراكي” وعدد من النواب المستقلين مقاطعتهم المسبقة للجلسة.
وكان ملفتاً إعلان “التكتل الوطني” الذي يضمّ النواب فايز غصن وفريد الخازن وطوني فرنجيّة واسطفان الدويهي ومصطفى الحسيني وفيصل كرامة عدم مشاركتهم في الجلسة النيابية ما طرح علامات استفهام عن عدم الحضور وعن مواقف رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية.
يجلس فرنجية في بنشعي منذ اندلاع الثورة وهو يراقب الوضع، فمن جهة يعلن دعمه الثورة الشعبية لتحقيق المطالب الشعبية المحقة، ومن جهة أخرى يبدي بعض الحذر من أن تتجه هذه الثورة نحو العنف ويحل بلبنان ما حلّ بسوريا والعراق ودول الجوار العربي. ويرى قريبون من فرنجية أن كل الكلام الذي يتحدث عن أن الأخير مسرور بحرق إسم رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل “غير صحيح، فسلوك باسيل وطريقة إدارته للسلطة ومحاولته الإستئثار وتصرفاته الإستفزازية هي التي أوصلته إلى وضع نفسه في مواجهة الشعب قبل السياسيين”. يعتبر “المردة” أن “خسارة العهد، على رغم الخلافات الكبرى مع رموزه، هي خسارة للخط الإستراتيجي، لكن في المقابل لم يعد بإمكان أحد تخطي صرخة الناس ووجعهم، ولطالما حذرنا من الأوضاع المتردية التي تضرب البلاد، والتي أظهرت الوقائع أنها ضربت كل الناس ولم ترحم أي منطقة أو طائفة أو مذهب”.
كان واضحاً النائب طوني فرنجية عندما أعلن منذ أيام أن “التحركات التي نشهدها على الصعيد الحكومي، ليست بريئة برمتها، وتثبت أن المطلوب اليوم، هو التضييق على “حزب الله” في الداخل واستفزازه”، من هنا يتشبث “المردة” بخطّه الإستراتيجي العام، وهو الذي يرفض أن يتمّ إخراج “حزب الله” من الحياة السياسية تحت عنوان المطالب الشعبية، ويدعو إلى الفصل “بين مطالب الناس المحقّة، وبين الأجندة السياسيّة لبعض القوى التي تحاول الركوب في موجة الحراك لتوجيهه ضدّ “حزب الله”، وبالتالي فهو يطالب بحكومة تكون قادرة على معالجة مشاكل الناس من دون أن تشكّل انتصاراً لمحور على آخر”.
يُسلّم تيار “المردة” كما عدد كبير من القوى السياسيّة بوجوب إبعاد الوجوه الإستفزازية عن الحكومة الجديدة، لكن من دون أن يعني ذلك إلغاء أحد أو محاولة التطويق والعزل، “وبالنسبة لنا فنحن واضحون من البداية، ومستعدون للمحاسبة إذا ثبت أن أحداً من وزرائنا أو نوابنا أو أي موظف محسوب علينا قد ارتكب أي فساد”.
وقف التكتل “الوطني” بحزم ضد إقرار قانون العفو وكان سيقاطع الجلسة لو تمت، ويعتبر “المردة” الذي يشكّل نواة هذا التكتل أن هذه المقاطعة هي ضد القانون وليست رسالة سياسية موجهة إلى الثنائي الشيعي أو أي طرف آخر. لا يستطيع أحد إنكار مدى العجز الذي تعاني منه القوى السياسية مجتمعةً، فـ”المردة” وقف عاجزاً أمام حل أزمة النفايات في منطقة زغرتا التي كانت في قلب الثورة الشعبية منذ اليوم الأول لاندلاعها، والتي لم تحرق إسم باسيل فحسب بل حرقت بنيرانها معظم أسماء الطبقة السياسية.