21 عاماً قد لا يكون رقماً عابراً في التجربة التلفزيونية لبرنامج «توك شو» سياسي فاجتماعي. «كلام الناس» قاده مارسيل غانم طيلة هذه الفترة على lbci، وبقي متربعاً على عرش البرامج المشابهة. خلق غانم حالة إعلامية، تفرّد بها عن بقية الركب الذي يصعب عليه مواكبته حتى اليوم، رغم التجارب الكثيرة في استنساخ أسلوبه وطريقة إدارته للحوار.
لم يحتج الإعلامي اللبناني لأن يجاري تجربة فيصل القاسم مثلاً (الجزيرة)، ويلعب على تناقضات ضيوفه الأيديولوجية والسياسية، فيشعلها كباشاً في الاستديو. لقد كان واثقاً بأن الأسلوب واللعب على تراشق المعلومات ومعرفة إيقاع ضيوفه في أفخاخها، كافية لصناعة «Show» إعلامي بامتياز يتهافت عليه المعلنون والساسة من كبار الشخصيات إلى أصغرهم.
في الرحلة الإعلامية المواكبة للاستحقاق الرئاسي، وتصدّر الجنرال عون المشهد، اقتنص غانم الفرصة، ليسرق الأضواء بعيداً عن التركيز على عون حصراً. خرج النائب والمرشح الرئاسي سليمان فرنجية -المنافس الحالي لعون- يوم الإثنين الماضي في ضربة ذكية هزّت ركود برمجة الإثنين، وسرقت الأنظار نحو شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، بخاصة في ظل الترويج لإمكانية انسحاب فرنجية من السباق. من ضمن استهلاليته، جاء السؤال التالي «هل سينسحب الليلة؟»، في خطوة ترويجية تكبل المشاهد.
بعد أربعة أيام، أطلّ سعد الحريري في البرنامج، هو الذي رشح بداية فرنجية وعاد بعد ذلك ليتبنى ترشيح عون، مع سؤال ترحيبي من غانم «أهلاً برئيس الحكومة المكلف». ضمن أسبوع واحد، قطف غانم السكوب الإعلامي، واستغل اللحظة السياسية الحرجة التي تمر فيها البلاد. ليس جديداً على غانم المحنّك الذي مارس الذكاء الإعلامي واقتناص اللحظات والمحطات المفصلية في لبنان والمنطقة، أن يكون محلّ ثقة عند شخصيات «الصفّ الأول»، لتكون حاضرة على منبر «كلام الناس»، وتخرج مواقف «تاريخية». لا أحد منا ينسى أحداث 7 أيار2008، وخروج النائب وليد جنبلاط على شاشة lbci، وقبلها بأربع سنوات تصريح جنبلاط الشهير ضمن البرنامج نفسه بأنه «يفضلّ أن يكون زبالاً في نيويورك على أن يكون زعيماً في لبنان»، وغيرها العديد من الأحداث الأمنية والسياسية التي صنعها البرنامج تحت موضة «الحلقة الاستثنائية».
تميزّ غانم بأسلوبه الاستفزازي للضيوف، وبخروجه مرات عدة من عباءة المحاور إلى شخصية ندّية للضيف، بل إنّه حتى مارس «ديكتاتوريته» في المحاورة وفرض قواعد اللعبة على ضيوفه. في السنوات الأخيرة، لم يستطع غانم إخفاء انحيازه السياسي. كذلك، لم يثبت على «موّال» واحد، أكان فعلاً يخاف على مصالح الشعب ويكون منبراً للناس، أو بخلاف ذلك يخصّص مساحات كبيرة للساسة المتهمين في الأصل باستغلال هؤلاء الناس.
في أيلول (سبتمبر) 2012، كسر غانم قواعد الـ «توك شو» السياسي. طالعنا بمقدمة رأي تلفزيونية على غرار ما يقدم في النشرات الإخبارية، تتحدث باسم الشعب في وجه السلطة. كانت مساحة استعراضية لعبت فيها «البروجوكترات» كأنها قطعة مسرحية. بعدها كرر الأمر بمقدمة «لو ما نكون غنم» في كانون الثاني (يناير) الماضي. مقدمة أتت بعد دعم إعلان سمير جعجع ترشيحه لميشال عون. مقدمة «لو ما نكون غنم»، التي «سلخ» فيها غانم الشعب وعمّم عليه صفة الغنم» المستغل من قبل زعمائه، أسقطته مجدداً في الجدلية الساخرة «أنت معانا ولا مع التانيين؟».
في عزّ «الحراك» الذي هزّ لبنان في آب (أغسطس) الماضي، على خلفية أزمة النفايات، أخرج غانم مجدداً الشخصية الأكثر جدلاً في تلك الفترة. ظهر رئيس مجلس إدارة مجموعة «أفيردا»، المشغلة لشركتي «سوكلين» و«سوكومي»، ميسرة سكّر، ليعطى مساحة دفاعية، تحت عباءة المحاور المستفزّ وصاحب الأسئلة الاتهامية!
في كل هذه المشهدية، يصحّ وصف غانم بـ «رجل لكلّ الفصول». أتقن لعبة الاستعراض الإعلامي، واقتناص اللحظات الحرجة من تاريخ لبنان. كان من أوائل الإعلاميين الذين أدخلوا حيّز وسائل التواصل الاجتماعي إلى استديواتهم، وأوقع نفسه مراراً في اللعب على السلم الأهلي. يُعرف عن غانم غضبه السريع وهدوئه السريع أيضاً. يمنح فريق عمله الثقة، ويحرص على تظهير أسماء من يعملون ويجتهدون في صناعة تقارير برنامجه. لا يمنح ضيوفه فرصة معرفة الأسئلة مسبقاً، بل يكتفي بإطلاعهم على محاور الحلقة. يعيش نهاراته على وقع قراءة كل الصحف من مختلف التوجهات. يحضرّ لمواده بشكل جيّد عبر الاتصال بالسياسيين والخبراء والالتقاء بهم أيضاً. باختصار، مارسيل غانم حالة إعلامية منفردة، أكان بعفويته (صاحب ضحكة رنانة باتت لصيقة به) وكسره الحواجز مع الضيوف، أو في جدّيته وعلاقته مع السياسيين وأصحاب المصالح الاقتصادية. 21 عاماً طبع فيها مرحلة إعلامية تشوبها الإشكاليات، والإخفاق والنجاح على حدّ سواء.