نزل اللبنانيون الى ساحة الشهداء يوم 14 آذار 2005 دفاعاً عن حرية لبنان وإستقلاله وللمطالبة بالعدالة، وآنذاك نجحت الثورة في تحقيق ما عجزت عنه الانتفاضات المعهودة، ويومها تمثل الجميع بمقولة الشاعر أبي القاسم الشابي «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر». لكن ما لم يدركه أحد، أنّ ذاك النهار كان مفصلياً في تاريخ لبنان وبوّابة حراك يوقظ مفهوم الديموقراطية فيه وفي دول الجوار، فهل سيتمكن أركان حلف 14 آذار من «لملمة» ما اندثر منذ ذلك الحين؟
11 عاما مرت على تلك الانتفاضة، كانت فيها الظروف كفيلة بزعزعة الوضعيّة داخل حلف «14آذار»، بدءاً من أحداث 7 أيار 2008 والـ»سين ـ سين»، ما شكّل نقطة تحوّل وتشتّت لدى هذا الفريق.
فقبل الـ«سين – سين» خاضت «14 آذار» أكثر من معركة استراتيجية وربحتها، لتتلقّى بعدها صدمة كبيرة بانسحاب رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من صفوفها بعدما كان عصباً رئيساً، أما عام 2011 فكانت محطة مغادرة الرئيس سعد الحريري لبنان «حفاظاً على حياته» بعد الإنقلاب على حكومته، إلاّ أنّ الإبتعاد ساهم في زيادة سوء التفاهم داخل «14 آذار»،
وصولاً الى عام 2013 حين تبنّى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع القانون الانتخابي الأرثوذكسي الذي رفضه تيار «المستقبل»، ما كشف عن غياب التجانس داخل الفريق الواحد، وعام 2014 دخلت قوى «14 آذار» باستثناء «القوات اللبنانية» الحكومة الى جانب «حزب الله»، علماً أنها كانت قد إشترطت عدم إتخاذ هذه الخطوة قبل انسحاب الحزب من سوريا، وأخيراً جاء ملف الاستحقاق الرئاسي ليؤجج الخلاف نتيجة تبنّي الحريري وجعجع مرشحين ينتميان للفريق الآخر.
هذه التصدّعات لم تكن عرضية كما أقنع البعض أنفسهم، وقد تأكد هذا الأمر في خطاب الحريري الاخير في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال والده، فهو أسف أن «يأتي هذا اليوم، وسط مناخات غير مستقرة بين قوى «14 آذار»، وأن تتقدّم التباينات في وجهات النظر، على الثوابت التي نلتقي حولها»، إلّا أنه اعتبر أيضاً أنّ هذه «مناسبة لدعوة قوى «14 آذار»، وفي طليعتها تيار «المستقبل»، للقيام بمراجعاتٍ نقدية داخلية، يمكن أن تتولّى الأمانة العامة تحريكها والعمل عليها، لتتناول جوانب العلاقة كافة بين قوى انتفاضة الاستقلال، بهدف حماية هذه التجربة الاستثنائية في حياة لبنان».
الأمانة العامة
تفاعل كلام الحريري وزياراته المكوكيّة لأركان «14 آذار» في الأوساط الآذارية، واتجهت الأنظار الى الأمانة العامة والدور المستقبلي الذي ستلعبه. وفي هذا الإطار، أكّد منسقها النائب السابق فارس سعيد لـ»الجمهورية» أنْ «لا أحد في قوى «14 آذار» يستطيع الانفصال عن الآخر وهذا الأهم».
وعن خطاب الحريري الذي رأى البعض أنه يحمل في طياته تحميل جعجع المسؤولية عن ملفات عدة، شدّد سعيد على «أنني لا أعتقد أنّ «14 آذار» تقف على تصريحات، بل على مبادئ مؤتمن الدكتور جعجع عليها مثلما هي الحال مع الرئيس سعد الحريري، والتضحيات التي قدّماها من أجل البلد كفيلة بتجاوز كلّ شيء، فأيّ مسألة تصبح ثانوية أمام الخيارات الحقيقية التي اتخذاها ودفعا ثمنها، أحدهما بالسجن والآخر باستشهاد والده»،
موضحاً أنّ «الأمانة العامة قبل أن تبدأ أيّ عملية داخل «14 آذار»، على الأطراف الإرتقاء الى مستوى الأحداث التي هي بين أيدينا، كما أنه يمكن لكلِّ واحد منا استقبال تداعيات أحداث المنطقة وأحداث سوريا في مربّعه الطائفي أو الحزبي، ويمكننا في المقابل أن نستقبلها كلنا من مساحة وطنية مشتركة، والأمانة العامة ستسعى لكي تستقبل الأطراف اللبنانية جميعها هذه التداعيات من مساحة وطنية مشتركة وليس من مواقعنا المذهبية أو الطائفية أو الحزبية، وهو ما شدّدنا عليه في اجتماعنا مع الرئيس الحريري».
مقارنة
بين «14 آذار» 2005 و»14 آذار» 2016 غيّرت الأيام الكثير، ففي الأمس كان فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة ويملك غالبية الثلثين في مجلس الوزراء، أما اليوم فرئيس الحكومة لا يأتي إلّا بالتوافق، إضافة الى ذلك أصبح «حزب الله» يفرض وجود «ثلث معطل» في أيّ حكومة أو لا تكون، ناهيك عن أنّ قانون الانتخاب يأتي مفصّلاً على قياس جميع الأفرقاء السياسيين أو لا يكون أيضاً، كذلك لم تستطع الأكثرية تشكيل الحكومة كما يحصل عادة، بعد إنتخابات 2009.
«بنت الانتفاضة»
عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري بدا متفائلاً في استرجاعه للـ11 سنة التي مرت، وقال لـ»الجمهورية» إنّ 14 آذار 2005 «هي بنت انتفاضة الاستقلال، ومَن حرّكها هي دماء الشهيد رفيق الحريري»، موضحاً أنّ «مَن نزلوا الى الساحة آنذاك كانوا بأكثريتهم غير حزبيين بل مستقلّين، فهذا جمهور «14 آذار» الأساسي ولا زال».
ولا يُنكر حوري حصولَ بعض الإخفاقات مع مرور السنين وذلك «لأنّ هذا الفريق هو كناية عن مجموعة ديموقراطية، فيها الرأي والرأي الآخر، تختلف على بعض التفاصيل ولكنها تلتقي على المسلّمات، وأعتقد أننا في الـ2016 لا زلنا نلتقي حول الأساسيات ونختلف حول بعض الأمور التفصيلية».
ويحسمها قائلاً: «قدر 14 آذار هو الاستمرار».
«خيبة أمل»
من جهته، يختصر عضو كتلة «الكتائب اللبنانية» النائب إيلي ماروني مرحلة الـ11 عاماً بـ»خيبة أمل وزوال حلم شعب آمن بجبهة جديدة شعارها السيادة والحرّية والاستقلال تتخطّى المصالح الذاتية لتحقيق الحلم ببناء دولة مؤسسات قوية وعادلة، وهو ما نزلوا من أجله الى الساحة، وآنذاك نجح الشعب في تحرير أرضه من الوجود السوري وكان وفيّاً لـ»14 آذار» فأعطاها الأكثرية النيابية في الـ2009، لكن بعد ذلك بدأت الخيبات تتوالى».
وقال ماروني لـ«الجمهورية»: «اليوم وعلى الرغم من خيبة الأمل فإنّ جمهور «14 آذار» حاضر لأنّ المهمة التي استشهد من أجلها كثيرون لم تنتهِ بعد، لكن على مستوى القيادات هناك أكبر خيبة أمل في تاريخ البشرية أصابت اللبنانيين من القيادات التي لم تكن بمقدار آمال أهل الحلم».
وأضاف: «أننا لم نخرج من الأمانة العامة بل علّقنا مشاركتنا فيها لفترة من الفترات، لأننا طالبنا بتنظيم عملها لتكون هناك آلية لإتخاذ القرارات، وإذا راقبنا كيف تشتت الأمور اليوم بترشيح فئة لفرنجية وأخرى لعون ورفض فئة ثالثة لهما، نفهم أهمية وجود آلية اتخاذ القرار».
وشدّد ماروني على أنّ «الجميع مسؤولون عما آلت إليه الأوضاع، لذلك نأمل في إعادة جمع قيادات «14 آذار» وعودتها الى الساحة السياسية بقوة، لأنها ما زالت حاجة وطنية للبنان، وإذا استطلع المختلفون الأخطار حولنا والوضع اللبناني وكم من جبهة تريد إفراغ المؤسسات وتعطيلها ودفعنا الى الفراغ أو الى مؤتمرات تأسيسية جديدة، سيشعرون بالواجب الملقى على عاتقهم».
«مواجهة محترفة»
أما عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم فيوضح لـ»الجمهورية» أنّ «الظروف تغيّرت والمقاربات يمكنها أن تكون قد اختلفت نوعاً ما، عام 2005 كان الوضع مختلفاً تماماً عما هو عليه اليوم، ما يستدعي مواجهة محترفة للظروف والمشكلات، أكانت داخلية أو خارجية»، وأكد أنّ «14 آذار ما زالت تحت عنوان واحد هو السيادي إضافة الى حرصها على بناء دولة وحماية الوجود اللبناني، اليوم هناك أمور مطروحة على 14 آذار مغايرة لتلك التي طرحت عام 2005 والمقاربات المختلفة داخل هذا الفريق طبيعية جداً».
وشدّد كرم على أنّ «14 آذار ستستمرّ لأنّ الأخطار التي تهدد لبنان ما زالت تجمع الأفرقاء فيها»، مشيراً الى أنّ «في الملف الرئاسي هناك تفاهماً بين قوى 14 آذار على ضرورة إنهاء الشغور في وقتٍ لا تعني هذه القضية البعض في الفريق الآخر، أما عن سبل انتهاء هذا الشغور فهناك مقاربات مختلفة، ولكنها لن تباعد بين أفرقاء «14 آذار» على المدى البعيد».