يوم 14 آذار 2005، ليس يوماً عادياً في تاريخ لبنان، ولا في تاريخ الدول العربية، وحتى في تاريخ دول العالم المتساوية مع لبنان في عدد السكان.
ان تغص طرقات وشوارع العاصمة بيروت بمليون ونصف مليون لبناني، فهذا يعني ان ثلث سكان لبنان نزل الى ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وليقول لا للاحتلال السوري، لا للنظام الامني اللبناني – السوري، لا لاغتيال رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري، لا، لاغتيال الحرية والديموقراطية والسيادة والاستقلال، لا لاغتيال وحدة الشعب اللبناني، لا للطبقة السياسية الحاكمة المتآمرة على الوطن والشعب.
يوم 14 آذار 2005، لا يمكن ان يغيب من ذاكرة من شارك، ولا من ذاكرة من شاهد، فهو مع كل محطة سياسية او محطة وطنية، حاضر ابداً، ليصحح البوصلة اذا شردت، ويقوّم الاعوجاج اذا حصل، وينبه الى الخطأ اذا وقع.
انه يوم ثورة بيضاء نقيّة طاهرة، تعيش في وجدان كل لبناني، التزم بالانتماء الى لبنان، وطناً نهائياً لا يشاركه فيه احد، ثورة ارادتها الارادة اللبنانية ان تكون بيضاء، ولكن اعداء لبنان كانت لهم ارادة اخرى، فصبغوها بالدم الاحمر القاني، دم الشهداء والابرياء، دم المسيحي والمسلم، لتتعمد هذه الثورة بالدم الوطني اللبناني، الذي سقى شعار «لبنان اولاً»، وما زال حتى اليوم، على الرغم من الخيبات والسقطات والهفوات والتآمر، منارة تهتدي بها جماهير 14 آذار والقيادات التي ما تزال متمسكة بثوابت وروحية ورمزية، ذلك اليوم التاريخي العظيم الذي عاشه اللبنانيون.
* * *
12 سنة مضت من عمر ذلك الربيع اللبناني… البعض المتشائم بات يراه خريفا ميتا، اليائس، لم يعد يرى بريقه ولا وهجه، اما المتفائلون وهم الاكثرية لا تزال ارادتهم قوية، واحلامهم كبيرة، بأن ربيع 14 آذار 2005 لا بد وان يزهر، فدماء الشهداء قد روته، ودم الشهيد تتجدد مع كل ربيع واذا كانت قيادات 14 آذار لا تسمع صيحات جماهيرها، ولا تشعر بخيباتها وغضبها، فلا بد ان يخرج من صفوفها يوما من يحمل المشعل والامانة والامان، أليس هذا هو قدر الشعوب العظيمة؟ ولبنان كان وسيبقى شعبا عظيما.
* * *
لا اريد في هذه المناسبة العظيمة، العزيزة علي كثيرا، ان افتح جروحا لم تندمل، او احاسب باسم جماهير 14 آذار من اخطأ بمعرفة او بغير معرفة بل اريد ان اناشد قيادات 14 آذار واعرف ان جميعهم ضحى بالكثير الكثير، ودفع الكثير الكثير، من اجل لبنان، ومن اجل قيام الدولة القوية العادلة النظيفة، ان يعملوا سريعا على لم شمل جماهير 14 آذار لأن استعادة وحدة هذه الجماهير، المشكّلة من جميع الطوائف والمذاهب والقيادات السياسية هي السبيل لمواجهة نموّ الطائفية والمذهبية والتصلب في المواقف، على حساب الاعتدال والمعتدلين، وتساهم في الوقت ذاته، بقيام جبهة صلبة في وجه العاملين والداعين والمبشرين بلبنان جديد، لا علاقة له بلبنان التنوّع والحريات والديموقراطية والكرامة الانسانية، الذي بذل شهداؤنا قبل 14 آذار 2005، وبعد ذلك التاريخ، دماءهم من اجل ان يبقى ويستمرّ.
14 آذار، شعلة يضعف نورها… لا تتركوه ينطفئ.