نتذكر اليوم تلك اللحظة الاستثنائية في تاريخ لبنان. فقبل تسعة عشر عاماً، وبعد شهر بالتمام من جريمة العصر التي أودت بالرئيس رفيق الحريري ورفاقه، قرّرت أكثرية اللبنانيين أن تحضر الى وسط العاصمة لتصرخ «حرية سيادة استقلال». وصل ذاك الصوت الى أسماع العالم الحر فكان خروجُ الجيش السوري ورفعُ الاحتلال عن صدر لبنان. وبدل أن تدشّن تلك التظاهرة التاريخية مسيرةَ وحدة وطنية تستعيد الدولة ومؤسساتها وتحاسب المرتكبين تحوَّلت الى جلجلة آلام سقطت على دربها ثلة من القيادات وأصحاب الرأي يشتركون في ايمانهم بالحرية والدولة، وصارت المؤسسات نهباً للأيدي السود وسياسة الإفلات من العقاب.
لا تنفصل 14 آذار عن محطات شكّلت منعطفات مضيئة في تاريخ لبنان وأوصلت الى انشاء الكيان، ثم الاستقلال القائم على العيش المشترك والتنازلات المتبادلة بصيغة حياد لم تتنكر للانتماء. لكن خطورة الأثمان التي افتتحت باغتيال الرئيس رينه معوض، وتعاظمت في 14 شباط، والاغتيالات التي لحقتها، تأخذ مداها كونها حصلت بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب وأعطى أملاً للبنانيين بخاتمة الأحزان، وكان يفترض أن يشكّل درساً لكل «المكونات»، خلاصته أنّ الاستقواء بالخارج فضيحة، وأنّ تكبير العضلات في الداخل وصفةٌ لتفسيخ المجتمع وتنامي التنافر والانحدار إن لم يكن الى الحرب فإلى أسفل الدركات.
اليوم ومع انزلاق البلاد الى حرب «مُشاغلة» عبثية وتدميرية بذريعة الانتصار لمغامرة يحيى السنوار، نستذكر كل هؤلاء الذين سقطوا «على طريق لبنان». صحيح أننا لم نصل معهم الى ما استشهدوا لأجله وابتغيناه، لكن دماءهم لم تذهب هدراً، إذ كلما جرى توريط لبنان في مشروع خارجي نتأكد أننا في حاجة الى الشعارات والقيم نفسها التي رحلوا من أجلها، وإلى «العبور الى الدولة» يوماً ما. ولن تقوم قيامة لبنان الحر الموحد السيّد إلا اذا استلهمناها في كل وقت أياً تكن العقبات.