قبلَ حلول الذكرى العاشرة لـ 14 آذار، التي تسبقها الذكرى المؤسسة، 14 شباط تاريخ استشهاد الرئيس رفيق الحريري، يبدو المشهد مربكاً داخل 14 آذار، بين حوار الضرورة الجاري بين تيار «المستقبل» وحزب الله من جهة، والحوار «على سبيل الاحتياط « بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» من جهة ثانية. حواران لا يوجد لدى «المستقبل» أو «القوات» أيّ حماسة أو شهيّة للدفاع عنهما، ولا للاسترسال في نثرِ الأحلام الوردية حول النتائج.
في الحوار الأوّل يصارح أحد أركان «المستقبل» نفسَه ومحدّثيه، بوصفه أنّه حوار بلا أفق. لا يخدع أحد نفسَه في «المستقبل» بتوقّع الكثير من حزب الله، لا قبل حسم الوضع في سجن رومية ولا بعده.
القضايا الأساسية لا حوار عليها، لا حلول في الخطة الأمنية، حتى لو طبِّقت في البقاع الشمالي، ولا قرار لدى حزب الله بحسم وضع «سرايا المقاومة»، بل مكافآت محدودة، لا تُقنع أحدأً بأنّ الحزب قادر أو جاهز للجلوس على طاولة حوار فعلية، ولقد أعطى في الموقف من قضية البحرين، دليلاً على أنّ الحزب لا يملك مراجعة حقيقة لما يقوم به بناءً على طلب إيران، سواءٌ في سوريا أو العراق أو اليمن، وتالياً في البحرين.
أحرجَ الحزب الجميع، ووضعَ الحوار في مأزق، وهمّش ما يمكن الكلام عنه في هذا الحوار الى الحد الأقصى، فالشرارة المذهبية ارتفعَت بعد الموقف من البحرين، وحكومة الرئيس تمّام سلام باتت تواجه معضلةً من نوع آخر، حيث هدّدت البحرين بترحيل جميع اللبنانيين بلا استثناء، وهذا ما حدا برئيس الحكومة إلى التنصّل من مواقف الحزب.
في الحوار الثاني، أحلامٌ وردية أيضاً، وتوقّعات لا تخرج عن مجرد تبريد إعلامي وسياسي، سقفُه وقفُ التحريض والشتائم. مسار الحوار الثاني، قد يتخلّله لقاء بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، لكنّ ذلك سيكون مجرّد لقاء في سياق طويل، ربّما القصد منه، تكبير هذا الحوار شكلاً، إلى حدٍّ يبدو فيه كأنّه تتويج لنهاية الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وليس من المعروف إلى الآن، متى يسقط «جدار برلين»، علماً أنّ عون يربط سقوط هذا الجدار بمطلب واحد: أن يقبلَ به جعجع رئيساً للجمهورية.
في حوار عون ـ جعجع سلسلة طويلة ومقصودة، من متاهات أوراق العمل، والخطط الخمسية، والفهارس، والملاحق، والأجزاء، واللقاءات التحضيرية، وكلّها تساهم في تعبئة الفراغ الناتج عن طول مدّة المحادثات، كذلك تعود الى طبيعة المفاوضين، خصوصاً النائب ابراهيم كنعان، المولَع بأعمال الفهرَسة، وأوراق العمل، حيث من المفترض أن يلتقي موفد جعجع ملحم الرياشي هذا الأسبوع في الرابية، لجولةٍ جديدة من المفاوضات، تمهيداً لجوجلة «أوراق العمل»، والاتفاق على ما سيسمّيه الطرفان، اتفاقاً على «إعلان نيّات» مشترَك.
في موازاة حوارَي الوقت الضائع، وقبل الذكرى العاشرة لـ 14 آذار، تنطلق في الأمانة العامة، المحاولة الأخيرة لفعل شيء ما، على طريق مأسَسة 14 آذار، وهو الحُلم الذي لم يتحقّق. تخَلّى فارس سعَيد عن مطالبه التعجيزية، لمبادرة خلق الكيان غير الحزبي في 14 آذار، تلك المطالب التي فاقت بعددِها مطالبَ العميد الراحل ريمون إدة، لكي يقبل بأن ينتخب رئيساً للجمهورية.
توحي ورشة العمل التي بدأت في الأمانة العامة ببعض الجدّية، لكن لا يمكن الركون إليها. الهدف من ورشات العمل واضح: تأسيس مجلس وطني لـ 14 آذار، تعرقِله أحزابُها، وإعادة تشكيل أمانة عامة جديدة، ربّما بالانتخاب، لكنّ ذلك كلّه يبقى على أهمّيته هامشياً، أمام سؤال ما إذا كانت 14 آذار ستملك رؤيةً وسياسة موحّدة لِما يجري في لبنان، وسُبل مواجهته، كذلك اعتادت أن تواجه في أزماتها الجامعة، أم أنّها ستستمرّ في حكم الاستمرار، في التشتّت وفق معادلة: كلّ يحاور على ليلاه.