في ذكرى 14 آذار العاشرة، قيل الكثير، وكتب الكثير، وفي بعض ما قيل وكتب، كان هناك فجور وشماتة، كما كان نقد ومراجعة، ولم يغب الاعتزاز والفخر بهذه المناسبة والكثير الكثير من الشوق والحنين الى ذلك اليوم التاريخي، يوم 14 آذار 2005، حيث تم تكريس انتفاضة اللبنانيين على الخوف والقهر وانتصار العين على المخرز، وتشريع الابواب أمام الحرية والديموقراطية والكرامة التي ديست بالقمع والقتل والسجن، لسنوات طويلة، او هكذا ظن مئات الوف اللبنانيين الذين ملأوا الساحات والشوارع في ذلك اليوم، الذي له تاريخ ما قبله، وتاريخ ما بعده، على اعتبار ان ما اعتقده اللبنانيون نهاية درب الآلام، ونحن اليوم في وسطها، كان في الحقيقة بدايتها، لأن الذين ارعبهم مشهد 14 آذار 2005، قرروا ان يشطبوه من التاريخ، ومن الذاكرة، وافضل ما يمكن فعله اغراق لبنان في الدم والدموع والاشلاء الممزقة، وهدم المحال والبيوت على رؤوس اهلها، ولما عجزوا عن خنق الانتفاضة بقوة السيف، عمدوا الى قوة الرغيف والعملة فضربت التجارة، وتقزم الانتاج، واقفلت الحدود، واغلقت المؤسسات، وتحركت خلايا الشر النائمة، فكان حمام الدم في النهر البارد، والحملات التي لا تهدأ، بعضها بشّر بانقسامات في 14 آذار، وبعضها ينعي 14 آذار، وكان الهدف دائماً، كما هو اليوم، كيف نطفىء هذه الشعلة التي انارت درب اللبنانيين للانقضاض على الوحدة، مسلمين ومسيحيين، الى ابد الآبدين.
توجعت كثيرا جماهير 14 آذار، وعانت كثيرا، وصبرت كثيرا، وغفرت كثيرا، احبطت احيانا من اخطاء ارتكبت، ومن خطوات لم يقدم عليها اصحاب القرار، او بعضهم، ولكن هذه الجماهير لم تذهب الى مكان آخر، قلوبها بقيت مع 14 آذار، وسيوفها ايضا، ولكن عندما تدعو الحاجة وتتصحح المواقف، ويخطىء من يفكر ان اللبناني الذي شارك في ساحة 14 آذار 2005، يمكن او يقبل ان يشارك في ساحة اخرى، فهي بالنسبة اليه ساحة السيادة والاستقلال والدولة التي يطمح بالوصول اليها، وهي القبلة التي يحج اليها عندما يستدعيه الوطن، وتستعيد القيادة عصبها.
******
الامانة العامة لقوى 14 آذار، التي كانت شاهدة على انتصارات 14 آذار، وتراجعها، واخطائها، وجمودها، والعقبات التي وضعت في طريقها، انتفضت على الذات وعلى السبات والروتين، وقررت بالتنسيق مع احزاب 14 آذار والمستقلين والناشطين في المجتمع المدني ان تجدد شبابها، وتزخّم نشاطها، بانشاء اطار جديد جامع اسمته «المجلس الوطني»، وتستطيع من خلال الكلمة التي القاها رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة في لقاء الـ400 شخصية في البيال ان حدد مهمته في جملتين، الاولى ان 14 آذار عازمة بعد صمودها الاسطوري ان تنتقل من خانة ردات الفعل الى الفعل الذي يلقى صدى لدى جمهورها ولدى خصومها، والثانية، انها المعنية الاولى بجعل الدولة قادرة على تأمين استمرار مؤسساتها، وعلى ايجاد الحلول لمشاكلها، مع التأكيد على انها لا تريد ان تهزم احدا، ولن تسمح لاحد ان يهزمها.
هذا الكلام الجديد من شأنه ان يشد عصب الآذاريين من قوى 14 آذار، بشرط ان يأخذ طريقه الى النضال الحقيقي من اجل تحقيقه وتنفيذه، بخلاف ذلك، لا سمح الله، سيكون محطة اخرى من محطات خيبات الامل في السنوات الماضية.
مبادىء 14 آذار، ليست حكراً على فريق دون آخر، انها لجميع اللبنانيين، من اجل مصلحة الجميع، ونجاح المجلس الوطني بحاجة الى دم الجميع، لأنه قد يكون الضوء الوحيد في عتمة هذه الايام السود.