في شباط الماضي، وأثناء تفقّده لموقع انفجارَي بئر حسن، لم يجِد وزير الداخلية نهاد المشنوق إحراجاً في الإشارة إلى «معابر الموت» في البقاع، وهو محاط بكل من المعاون السياسي للرئيس نبيه برّي الوزير علي حسن خليل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، وهو ما انفكّ، قبل ذلك وبعده، يربط بين التفجيرات الإرهابية وقتال حزب الله إلى جانب النظام السوري. ولم يكُن خطاب زملاء المشنوق في تيار المستقبل وحلفائه في فريق 14 آذار مختلفاً في المضمون، بل بيانات مكرّرة بصياغات مختلفة.
بعد أقل من عام، يظهر أن هؤلاء بدأوا يكرّسون نهجاً جديداً، معتمدين أسلوب تنميق الخطاب السياسي. فما إن ذاع خبر التفجير الانتحاري المزدوج، أول من أمس، حتى سارع الآذاريون إلى إصدار بيانات الإدانة والاستنكار والتضامن مع أهل الجبل. حتى الآن يبدو الأمر عادياً وطبيعياً. لكن «الفلفشة» في مضمون البيانات وقراءتها يظهر أن ثّمة لغة مختلفة. فليس بين كل هذه البيانات جملة واحدة تحمّل حزب الله مسؤولية تدهور الوضع الأمني. وإذا كان نواب تيار المستقبل ووزراؤه يجدون أنفسهم مضطرين إلى الخضوع لسقف الحوار الذي انطلق منذ أقل من 3 أسابيع بين «المستقبل» و«الحزب»، فما السبب الذي يدفع بنواب وشخصيات في فريق الرابع عشر من آذار إلى «المسالمة» في معرض تناولهم لخبر التفجير؟ لا يُمكن وصف هذا الصمت بأقل من أنه محاولة لعدم الخروج عن التوجّه العام الذي فرضه الحوار الثنائي، وطبعاً على قاعدة «مرغم أخوك لا… بطل»!
محاولة لعدم الخروج عن التوجه الذي فرضه الحوار الثنائي
لم يكُن تصريح المشنوق التهدوي من قلب جبل محسن مفاجئاً، وإن حاول الرجل وضعه في خانة الخطاب الوطني لأي وزير داخلية. لكن ما صدر عن نواب المستقبل من طرابس إلى صيدا، يكفي للقول إن طرفي الحوار نجحا في تحقيق هدفهم الأول: «تجاوز حال الاحتقان والمواجهات ذات الطابع المذهبي». وبمعنى آخر، كان انفجار جبل محسن بمثابة اختبار أول لمتانة الحوار الثنائي ومدى إمكانية نجاحه.
خارج تيار المستقبل، وباستثناء تصريح لرئيس حركة الاستقلال ميشال معوّض شدّد فيه على «ضرورة الانسحاب العسكري الكامل من النزاع السوري»، تصرّف الآذاريون وكأنهم «جنود في تيار المستقبل يسري عليهم قانون الحوار». لا اتهامات ولا ادّعاءات. حتى الأمانة العامة لفريق الرابع عشر من آذار اكتفت ببيان مقتضب أدانت فيه الجريمة، قائلة «كلنا جبل محسن»! ليظهر أن المكونات الآذارية ليس في نيّتها وضع نفسها خارج صورة الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل وإن كانت غير مشاركة فيه.
مصادر فريق الرابع عشر من آذار تؤكّد أن «حجم الجريمة لا يسمح برفع سقف الخطاب، مع ذلك تعود هذه اللغة المفاجئة إلى الحوار الذي أرخى بظلاله على مجمل الحياة السياسية». ولفتت المصادر إلى أن «عدم ذكر قتال الحزب في سوريا خلال اليومين الماضيين لا يعني أن أحداً من الشخصيات الآذارية لن يخرج لاحقاً لربط ما حصل في طرابلس بسياسة حزب الله الإقليمية». لكن الفرق هذه المرة هو أن «هذا التصريح لن يقدّم ولن يؤخّر، لأن الاتجاه العام فرضه المستقبل وحزب الله، أكبر تيارين سياسيين في فريقي 8 و14 آذار». ورأت المصادر أن «ما سمعناه هو المكسب الحقيقي الأول الذي حقّقه الحزب من حواره مع تيار المستقبل»!