IMLebanon

تنازلات 14 آذار تلو التنازلات لـ”حزب الله” جعلتها تضحّي بشعبيتها ولا تضحّي بلبنان

منذ خروج القوات السورية من لبنان و”حزب الله” ومن معه يضع قوى 14 آذار بين خيارين مرّين: سيئ وأسوأ. فإما يكون رئيس الجمهورية مقبولاً منه أول لا يكون رئيس. إما تكون الحكومة حكومة “وحدة وطنية” وإن كاذبة ويكون له فيها الثلث المعطّل باسم “الشراكة الوطنية” لكي يتحكّم بالقرارات التي تتخذ وبطريقة تنفيذها، أولاً تكون حكومة، ولا انتخابات نيابية إذا لم يكن القانون الذي تجرى على أساسه مفصّلاً على قياس الحزب وحلفائه، فكان التمديد لمجلس النواب مرتين وهو أبغض الحلال…

هذه السياسة التي يتبعها “حزب الله” ومن معه منذ عام 2005 جعلت لبنان يعيش في وضع شاذ. فلا النظام الديموقراطي العددي أمكن تطبيقه بحجة أن الطائفية تمنع ذلك، ولا بدعة “الديموقراطية التوافقية” كانت هي البديل لأنها فرضت الاجماع عند اتخاذ القرارات المهمة، فكان الشلل.

أما قوى 14 آذار فكانت تواجه أحد خيارين: إما القبول بما يريده الحزب وتقديم التنازلات تلو التنازلات حرصاً على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات وترسيخ للعيش المشترك والسلم الأهلي، وإما الفراغ الشامل الذي يبدأ بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب. وباستمرار تقديم هذه التنازلات تضحي 14 آذار بشعبيتها كرمى للبنان وتحد نفسها دوماً بين خيارين صعبين ومرّين: إما التسليم بما يريده “حزب الله” ومن معه، وإما مواجهة فراغ شامل يعطّل العمل في كل مؤسسات الدولة.

ولأن “حزب الله” هو الحاكم الفعلي والآمر الناهي بقوة سلاحه أياً يكن رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، فإنه لم يعترف بنتائج الانتخابات النيابية عام 2005 ولا عام 2009 لأن الأكثرية التي فازت بها جاءت لـ14 آذار. وقد اعتبر الحزب أن هذه الأكثرية هي نيابية وليست شعبية، فحال هذا التفسير اللادستوري دون تمكين 14 آذار من انتخاب رئيس للجمهورية من صفوفه ومن تشكيل حكومة من أكثريته، ولا أحد يعرف ما اذا كان الحزب ومن معه سيعترف بنتائج انتخابات نيابية قادمة إذا جاءت نتائجها مرة أخرى في غير مصلحته، فيكرر المطالبة بتطبيق “الديموقراطية التوافقية” في انتخاب رئيس الجمهورية وفي تشكيل الحكومات، وإلا كان الفراغ الشامل وهو ما تخشاه قوى 14 آذار حرصاً منها على وحدة لبنان وتجنباً لدخول فوضى عارمة اليه تذهب به الى المجهول.

والسؤال المطروح هو: الى متى تظل قوى 14 آذار مضطرة الى تقديم التنازلات تلو التنازلات وكذلك التضحيات من أجل لبنان حتى وإن أصبحت هي الضحية؟

الواقع أنه ما دام السلاح في يد “حزب الله” فلا رئيس جمهورية يستطيع أن يحكم ولا حكومة يمكن تشكيلها إلا بشروط الحزب، ولا انتخابات نيابية إذا لم تجرَ على أساس قانون يرضى به الحزب وحلفاؤه، ولا مشاريع مهمة يمكن أن تمر في مجلس النواب إذا لم تحظَ بموافقة الحزب، ولا قرارات وزارية يمكن تنفيذها من دون موافقته أيضاً بدليل ما حصل في 7 أيار 2008 وما حصل قبل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وما حصل لسياسة “النأي بالنفس” ولـ”إعلان بعبدا”. هذا الوضع الشاذ لن يتغيّر ما لم يتم التوصل الى اتفاق على موضوع السلاح خارج الدولة إما بوضع استراتيجية تجد حلاً له كأن يصبح في كنف الدولة وبإمرتها، وإما انتظار التوصل الى تسوية للأزمات في المنطقة، ولا سيما في سوريا، ليصبح حل مشكلة هذا السلاح ممكناً.

وفي الانتظار ليس على قوى 14 آذار سوى التمسّك بسياسة الصمود ومراقبة التطورات في المنطقة لأن الوقت ليس وقت مواجهة أو تصدٍ لأن فيهما خراب لبنان، وقد يكون ثمة من يريد ذلك تحقيقاً لأهدافه في إقامة لبنان جديد وجمهورية جديدة ودستور جديد. وليس سوى الاستمرار في الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” ولو لتقطيع الوقت الى أن يأتي الحل الشامل لمشكلات لبنان وعلى رأسها مشكلة السلاح من خلال تسويات في المنطقة يصنعها الخارج.

الى ذلك، يمكن القول إن المرحلة التي يمر بها لبنان شبيهة بتلك التي مرّ بها في الماضي، فكان انتخاب الياس سركيس هو الرجل المناسب لإدارتها، فصبَّ اهتمامه على معالجة الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد لأن الميليشيات كانت هي الممسكة بالأوضاع الأمنية والعسكرية. فلتتفق القوى السياسية الأساسية في البلاد إذاً على انتخاب الياس سركيس آخر في هذه المرحلة التي هي مرحلة إدارة أزمة لا مرحلة حلها في انتظار أن تتبلور صورة الوضع في المنطقة ويعرف لبنان مكانه ومكانته فيها ما دام ليس في إمكان هذه القوى الاتفاق على رئيس حلول للأزمة.