بخلاف ما كان يتوقّعه الكثيرون، لم يؤدّ تصعيد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، الذي وصل إلى حدّ التلميح بإمكان الوصول إلى التصادم إذا ما تمادى مناوئوه في «حربهم الكونيّة» عليه، إلى ظهور أيّ بوادر حلحلة أو تهدئة في الأفق، بل لعلّ العكس بالتحديد هو ما حصل، اذ «استنفرت» قوى الرابع عشر من آذار للردّ على «الجنرال» بكلّ ما أوتيت من قوّة، معتبرةً أنّه هو المتسبّب بكلّ الأزمات التي يعيشها البلد.
وفي هذا السياق، تعتبر مصادر نيابية في قوى الرابع عشر من آذار أنّ «العِبرة» الأولى التي يفترض بالعماد عون أن يأخذها هي أنّ سياسة التهويل ليست أفضل من سياسة الابتزاز التي اعتمدها في الآونة الأخيرة، «وهي لن تنفعه لتحقيق مطالبه التعجيزيّة»، على حدّ تعبيرها. المشكلة، في رأي هذه المصادر، أنّ الجنرال غيّر «التكتيك» فقط لا غير، في وقتٍ كان المطلوب أن يغيّر «الهدف» برمّته، وأن يدرك أنّ فرض الشروط هو المرفوض، سواء بالابتزاز أو التهويل أو ما شابههما.
من هنا، فإنّ هذه المصادر تؤكد أنّ قوى الرابع عشر من آذار لا يمكن أن تضخع للمنطق «العونيّ» الجديد، ليس لأنّها لا تريد إرساء الهدوء في البلاد، ولكن لأنّها تدرك أنّها إذا ما تساهلت مرّة واحدة في هذا الخصوص، فإنها ستشرّع الباب في المستقبل أمام عشرات الحالات المماثلة، بحيث سيعتمد «الجنرال» هذا الأسلوب لتحقيق كلّ ما يحلو له ويرغبه، من خلال انتهاج التعطيل والعرقلة، باعتبار أنّ هناك من سيخضع في النهاية وينفّذ هذه المطالب تحت عنوان تغليب مصالح البلد العُليا.
تشبّه هذه المصادر مقاربة العماد عون لموضوع العميد شامل روكز بما سبق أن انتهـجه تجاه «صهره الآخر»، الوزيــر جبران باسيل، حيث لا يزال تصريحه الشهير حول عدم اكتراثه إن لم تؤلّف الحكومة «كرمى لعيون صهر الجنرال» ماثلاً في الأذهان، خصوصًا أنّ رغبته تحـقّقت يومذاك ولم تتــشكّل الحكومة إلا بعد أن تمّـت الموافـــقة على أن يكون الوزير جبران باســيل جزءًا منها، «وها هو اليوم يعيد السيناريو نفسه ولكن في الاتجاه المــعاكــس، من خـلال عدم اكتراثه لتعطيل الحكومة كرمى لعيون صهره أيضًا».
أما المفارقة، بحسب المصادر «الآذارية» نفسها، فتكمن في حقيقة أنّ عون «يستقوي» في تصعيده هذا بحلفائه الداخليّين والإقليميّين، وهو ما تجلّى بشكلٍ خاص في مظاهرة «التيار الوطني الحر» الأخيرة، والتي لم يخجل فيها «مدّعو احتكار شعار السيادة»، وفق تعبير المصادر، من رفع صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأعلام دولٍ أخرى مثل روسيا، مستندين بذلك إلى التدخّل العسكري الروسي في سوريا، خصوصًا أنّ هناك من يهمس في أذن «الجنرال» أنّ مثل هذا التدخل يرفع حظوظه الرئاسية وأنّه سيوصله إلى قصر بعبدا.
عمومًا، تقول المصادر أنّ «تصعيد» عون في الملفّ الحكوميّ لا يقدّم ولا يؤخّر، وتشير إلى أنّ الحكومة ميتة سريرياً منذ فترة طويلة، وتحديدًا منذ «الاعتكاف العونيّ غير المُعلَن» وفق شعار «التعيينات الأمنية» أولاً، ما يعني أنّ «الجنرال» يهدّد بشيءٍ ميت، أو في أفضل الأحوال يهدّد بما يمارسه منذ فترةٍ طويلة. وتشير المصادر إلى أنّ هذه الحكومة، بفضل عون وحلفائه، عاجزة عن مجرّد عقد اجتماعٍ واحدٍ ولو لرفع العتب لمعالجة قضايا حسّاسة بحجم الوطن، على غرار قضية النفايات التي تشكّل «فضيحة» بحجم الوطن بكلّ ما للكلمة من معنى.
ولكنّ المصادر تتحدّث هنا عن «نيّة» لدى رئيس الحكومة تمام سلام لعقد جلسةٍ حكوميةٍ، ولو بمن حضر، حالما تنضج «تسوية النفايات لا الترقيات»، على حدّ تعبيرها، باعتبار أنّ «تسوية الترقيات» باتت من الماضي، مشيرة إلى أنّ سلام سيتحمّل مسؤولياته كاملةً في هذا الصدد، وهو ينتظر «الضوء الأخضر» من الوزير أكرم شهيب فقط، الذي يستكمل وضع اللمسات الأخيرة على خطة الحلّ القابلة للتنفيذ بناء على الملاحظات التي تلقاها من العديد من الأفرقاء، والتي تعامل معها بالجدّية المطلوبة.
وفيما تلفت المصادر إلى أنّ البنود المُدرَجة على جدول أعمال الحكومة تراكمت وباتت بالمئات، تشدّد على أنّ أزمة النفايات تبقى الأولوية المُطلَقة، خصوصًا بعد كسر «الدولة اللبنانية» للرقم القياسي من حيث الفترة التي دامت فيها أزمة بهذا الحجم من دون معالجة، وتتحدّث عن «مؤشراتٍ إيجابية» بنيات تمرير هذه الجلسة، بحيث يحضر عددٌ كافٍ من الوزراء، حتى من «المقاطعين»، علمًا أنّ «الجنرال» رغم قوله انّه لا يشارك في التنفيذ، لم يعارض المبدأ، وهذه نقطة إيجابية يُبنى عليها.
أما مصير الحكومة، فتقول المصادر انّ البحث فيه متروكٌ لما بعد الانتهاء عمليًا من أزمة النفايات، وعندئذ تصبح كلّ الاحتمالات واردة والسيناريوهات ممكنة، وهي تعتبر أنّنا قد نصل الى مكانٍ تصبح فيه استقالة الحكومة مثل عدمها، باعتبار أنّها باتت حكومة تصريف أعمال وإن لم تتقدّم رسميًا باستقالتها، ربما لعدم وجود من تقدّم استقالتها له عمليًا، في ظلّ الوضع الشاذ الذي تعيشه البلاد، والذي يتحمّل معطّلو عمل الحكومة انفسهم للمفارقة مسؤولياتهم، كونهم من يعطّلون نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية.
في الختام، يبدو واضحًا أنّ البلاد متجهة الى مرحلةٍ جديدة، مرحلة قد لا يكون عنوانها الهدوء والسكينة، إلا إذا أثمرت الجهود التي يُقال انّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لا يزال يبذلها، ويغلّفها بطابع السرية خوفًا عليها…