IMLebanon

«14 آذار» تبكي من المؤتمر التأسيسي وتذهب إليه!

لم تعُد المسألة إذا كان لبنان ذاهباً إلى المؤتمر التأسيسي أو لا. فهذا المؤتمر انزلق إليه لبنان واقعياً، وهو يعيش فصوله الأولى. والأرجح أنّ قوى «14 آذار»، التي تعلن رفضها المؤتمر (في العلن) بدأت تبحث (في السرّ) كيف تحسِّن شروطها. هكذا هي «قوى 14» في كلّ تجاربها: تبدأ بالتسابق على المواجهة والتصعيد وتنتهي بالتسابق على المهادنة والتنازل!

لن يتوصّل الحوار الثلاثي الموعود، بعد أيام، إلى أيّ اتفاق على بنود «السلة المتكاملة». وهذا الأمر يدركه الجميع. لكنّ «14 آذار» تعتقد أنها اكتشفت جديداً بقولها إنّ هذا الفشل سيُتخذ ذريعة لتنزلق طاولة الحوار لتكون المؤتمر التأسيسي الذي ينادي به «حزب الله». وبدأ المتحمّسون في «14 آذار» يطلقون التحذيرات بالتصعيد، لكنّ الغالبية صامتة، وللصمت تفسيرات.

في مسألة المؤتمر التأسيسي، تصرَّف «حزب الله» بكثير من الحنكة. فهو لم يحاول فرضه على الآخرين مباشرة. لكنه قاد الأحداث في اتجاه التعطيل والفراغ، حتى بات البلد مشلولاً تماماً ولم تعد هناك قدرة على إنهاضه إلّا بإعادة تأسيسه.

واليوم، يجد العديد من الذين كانوا يرفضون المؤتمر بقوة أنه السبيل الوحيد للخروج من المأزق. لكنهم يشترطون ألّا يكون المؤتمر واقعاً تحت ضغط معنوي ومادي يمارسه «حزب الله»، بحيث يتمكن من فرض خياراته على الآخرين.

إذاً، قوى «14 آذار» هي اليوم أقلّ معارضة للمؤتمر التأسيسي ممّا كانت عليه عندما طرحه «الحزب». وربما يكون تيار «المستقبل» الأكثر تحفّظاً على أيّ تعديل في صيغة «الطائف»، لأنّها أعطت الكثير لرئيس الحكومة، وهو يخشى أن يستغلّ «الحزب» ما يتمتع به من قوة لانتزاع صلاحيات اكتسبها السنّة في «الطائف».

لكنّ البعض يعتقد أنّ «المستقبل» الذي تجرّأ على ترشيح أحد أكثر أقطاب «8 آذار» التصاقاً بالرئيس بشّار الأسد، النائب سليمان فرنجية، ليس غريباً عنه القبول أيضاً بالمؤتمر التأسيسي.

أما القوى المسيحية في «14 و8 آذار» على السواء فليست شديدة العداء للمؤتمر التأسيسي، على رغم أصوات الخوف أو التخويف من انتزاع صلاحيات إضافية من المسيحيين كان «الطائف» قد تمسّك بها، كالمناصفة، أو موقع الرئاسة من خلال ابتكار موقع نائب رئيس الجمهورية، يكون للشيعة.

فهناك أصوات مسيحية تعتقد بأنّ انعقاد مؤتمر وطني تأسيسي، في جوّ من الحرّية، بضمانة عربية ودولية، وابتكاره صيغة جديدة للبنان، مع ضمان حسن التنفيذ، من شأنه أن يشكل مخرجاً من واقع الاستقواء على المسيحيين والتهافت لانتزاع دورهم وموقعهم، وتعمُّد التنفيذ السيّئ لـ»الطائف». ولم يعد للمسيحيين في النظام الحالي ما يخسرونه.

وفي اعتقاد كثيرين أنّ هناك معطيات فرضت- وستفرض لاحقاً- إنجاز تسوية وطنية جديدة لا يمكن التوصل إليها إلّا من خلال التفاهم على صيغٍ وطنية «تأسيسية»، وستلتقي عملية التغيير المنتظرة في لبنان مع المتغيّرات المتوقعة في كلّ الكيانات الشرق أوسطية، بدءاً بسوريا والعراق.

ومن هذه المعطيات:

1 – إنّ الخلل الذي ظهر في نصّ اتفاق «الطائف» وروحه، وفي تنفيذه الاستنسابي وعدم تنفيذه، لم يعد ممكناً تداركه بعد مرور أكثر من ربع قرن على اعتماده دستوراً للبنان. فهو أتاح للطوائف أن تعطِّل الدولة وتُهدّد الكيان، لكنّه لم يبتكر الوصفة المناسبة لاستعادة الدولة والكيان. فلا أفق للفراغ الرئاسي والتعطيل والشلل في المؤسسات.

وليس دقيقاً تحميل «حزب الله» وحده المسؤولية عن تعطيل النظام. وعلى رغم انقضاء مرحلة الوصاية السورية فإنّ القوى الداخلية التي تقاسمت الجبنة في «الطائف» كرَّرت عمليات التواطؤ مراراً، و«الدوحة» كانت النموذج الأخير. وهذا ما يستدعي عقد اتفاق وطني يتلاءم والمعطيات الجديدة، ولا بأس بتسميته «المؤتمر التأسيسي».

2 – جاء «الطائف» في 1989 ليتوِّج الوقائع الجيوسياسية التي طرأت في لبنان بعد نحو نصف قرن على «ميثاق 1943»، وتخلّلتها متغيّرات سياسية وديموغرافية وحروب واحتلالات.

ويبدو حتمياً أن يأتي الاتفاق الوطني الجديد ملائماً المتغيّرات التي طرأت في ربع القرن الفائت، ولاسيما خروج سوريا من لبنان واندلاع الحرب الأهلية فيها وملامح تأسيس كيانات جديدة على أنقاض الكيانات الشرق أوسطية. وربما يكون وجود مليوني نازح سوري وفلسطيني في لبنان، بلا أفق للعودة، حافزاً أساسياً للبحث في صيغٍ تأسيسية جديدة.

في الخلاصة، لن يبقى لبنان تحت إدارة «الطائف». لكنّ هناك ظروفاً ينبغي توافرها للتغيير. وهذه الظروف ينتظرها «حزب الله» بناءً على ما تفرزه موازين القوى. وثمّة اعتقاد بأنه يرغب في استثمار الاتجاه التغييري الذي يدعمه المجتمع الدولي في لبنان، والذي أظهره الحراك المدني والأنشطة المتزايدة للجمعيات والهيئات الأهلية والانتخابات البلدية.

وهكذا، تبدو «14 آذار» أمام إرباك غير مبرَّر بين خيار التصعيد رفضاً للمؤتمر التأسيسي وخيار التنازل والقبول ضمناً بالمؤتمر وفقاً للشروط التي يطرحها «الحزب». وهذا الإرباك يدفعها إلى التصرُّف وفق مقولة: «أبكي وأروح».

وبدلاً من الانجراف العشوائي في ردّ الفعل، كما في كلّ مرّة، هل يكون لـ«14 آذار» طرحُها الموحَّد، الكفيل باستيعاب «الحزب» وطرحه التأسيسي؟