يُصرّ النائب مروان حمادة على تشبيه أمانة «14 آذار» بالمتظاهر الوحيد الباقي في ساحة 14 آذار 2005. لم يخطئ نائب الشوف إطلاقاً. عملياً، بقيت «الأمانة» حيث هي في مكانها، وحيدة، من عشر سنوات.
منذ يومين قرّرت «ترتيب ذاكرتها». اجتمع «محبو الحياة» مجدداً في البيال. استعرضوا الإنجازات والإخفاقات ومشاريع المرحلة التي بدت عكس التيار، ثم زفّوا «بشرى خير» لقواعدهم. انتظروا ولادة «المجلس الوطني لقوى 14 آذار».
التسمية لم تسقط بالباراشوت. في مؤتمر البريستول تحت عنوان «دفاعاً عن لبنان» في آذار من العام 2011 وعد الآذاريون جمهورهم بهيكلية جديدة تحت وطأة اعتراضات احتجاجية من داخل البيت. لا يمكن ثلاثة أحزاب أن تختصر شارعاً بكامله، كوادر وقيادات وجمهور الثورة، وتتكّلم باسمه وتوزّر عنه، وتختار القوانين الانتخابية نيابة عنه، وتنسج التحالفات السرّية من وراء ظهره…
يحفظ كثيرون شعار منسّق الامانة العامة فارس سعيد «14 آذار هي حاجة للحزبيين». بمنطق «الدكتور» كان يصعب على سعد الحريري وسمير جعجع وأمين الجميل أن يخوضوا مواجهاتهم السياسية من دون الاتكاء على كتف «14 آذار»، ومدّها الجماهيري. لكن مسار الأحداث فَضَح خطأ التقدير.
بداية، حبل التمايزات كان مع «الكتائب» وصولاً الى حفلات الانفتاح المنظّم صوب الخصوم، مروراً بابتعاد ابن «الشهيد» عن طقوس «انتفاضة الاستقلال» والتهاء جعجع والجميل بحساباتهما المسيحية. بين عين التينة ومعراب والرابية اليوم تحضر كل الملفات.. إلا تطلعات «ثورة الأرز»!
في تلك الحقبة، وبعد نحو ست سنوات من الحراك الملتبس بين حلفاء «ثورة الارز»، كان السؤال المحوري يتركز حول كيفية إيجاد برنامج عمل مشترك يضمّ الشخصيات الحزبية والمستقلين (إضافة الى فاعلين في الشأن العام والمجتمع المدني في لبنان ودول الاغتراب) في كادر مؤسسي واحد منعاً للاحتكار والتفرّد في قيادة قارب «الثورجيين». فوراً تألفت لجنة ثلاثية للتشاور والتنسيق مع قيادات «المستقبل» و«القوات» و«الكتائب» وكان «المجلس الوطني» هو الهدف.
أريد للمجلس ان يكون الوعاء الذي يضبط نزعات الحزبيين و «يُكودِر» حركة المستقلين من ضمن الهيكلية الجديدة، وقد اتفق يومها على أن يضمّ الشخصيات التي شاركت في مؤتمر بريستول 2011 كهيئة تأسيسية تنتخب الرئيس ونائبه، إضافة الى انتخاب أمناء سرّ عديدين، فيما تمتد ولايته لسنتين.
لكن «المراقب العام» لسياسات بيت الوسط والصيفي ومعراب بقي خربشات على عشرات الاوراق التي أعدّت بين مقرّ الامانة العامة ومقاهي الاشرفية، وأسير دردشات الغرف المغلقة، الى ان حلّت الذكرى العاشرة لانطلاق 14 آذار حيث صدر القرار النهائي بإعلان الولادة بعد سنوات من التعثر.
عملياً قدّر لأبناء «انتفاضة الاستقلال» أن يحتفلوا بقيام «المجلس الوطني السوري» قبل مجلسهم «المحلي». في تشرين الاول 2011 أصدرت القوى السيادية بياناً حيّت فيه تشكيل «المجلس الوطني السوري» معتبرة أنه بداية تحوّل كبير في مسار الثورة. ثم ما لبث هذا المجلس أن تحوّل الى ضيف في الذكرى السابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري من خلال الرسالة التي تلاها سعيد باسم المجلس الوطني السوري الذي وضع خريطة طريق للعلاقات المقبلة بين البلدين!
لا يريد المنظّمون أن تمرّ ذكرى «الانتفاضة» هذا العام كما سابقاتها. مع الرئيس سعد الحريري الحاضر الغائب، وتحت مظلة حوار اسلامي ـ اسلامي لا يعوّل عليه فارس سعيد ورفاقه، وبموازاة حوار مسيحي ـ مسيحي قد يكرّس انقسام الطائفة، برأيهم، وليس العكس، تريد قوى «14 آذار» أن يشقّ المجلس الوطني طريقه مُلهِماً الحلفاء من أجل خيارات سياسية أفضل، ومُصدِراً توصيات الارشاد على ضوء التغييرات الانقلابية التي تشهدها المنطقة عموماً، وبعد أن أصبحت «الدولة الاسلامية» لاعباً إقليمياً وداخلياً.
لكن ثمّة وقائع لن تحول دون الاحتفاء بمولود يبدو من خارج الزمن والروزنامة والأولويات: هناك مرشّحان لرئاسة الجمهورية المفترض أن يكونا في عداد المجلس الوطني، أو مَن ينوب عنهما. الأول يجلس وجهاً لوجه اليوم مع مَن يجلس، بعرف الآذاريين، في حضن الإيرانيين وينفّذ اوامرهم. الثاني قطع تذكرة «وان واي تيكيت» منذ زمن لكل ما يتعلق بـ «الامانة العامة» ومشاريعها التحجيمية والاستعراضية. قائد قوى «14 آذار» الفعلي، سعد الحريري، بات ينسّق الشاردة والواردة مع «حزب الله» ويبدّي التنسيق الأمني معه على اي ملف آخر. ثمّة صقور في «المستقبل» إما تقاعدوا او طردوا من صفوف «التيار الأزرق». أولياء «ثورة الارز» تحوّلوا تدريجاً الى ناد للمتقاعدين. المنطقة برمّتها تقف على مشارف تحوّل سياسي كبير حوّل «قبضايات» الثورة والانتفاضة الى حمائم، بكل بساطة لانه لم يعد هناك ضمانات لمصلحة من سيطبش ميزان المكاسب…
بالرغم من ذلك، فارس سعيد وما تبقى من «أمانته» يَعِدون بفتح صفحة جديدة في كتاب «الثورة»، في ذكرى التأسيس العاشرة. «صحيح أن لا أحد من قادتنا، او من الخصوم، يبالي بنا… لكن المهمّ أن لا تنسونا»!.