مرة جديدة يقع النائب وليد جنبلاط في «شباك» «احلام اليقظة» و«الاوهام» ويجر معه شخصيات تيار المستقبل وقوى 14 آذار، هم ينطلقون من مسلمة يبشرون بها منذ نحو خمس سنوات، «الاسد يرتب اغراضه وسيسقط قريبا»، «موسكو تخلت عنه وتعقد الصفقات مع الغرب لترتيب المرحلة الانتقالية»، «وايران لم يعد بوسعها الدفاع عنه وحمايته»، «الانتصار قريب ويجب الاسراع في التحضير للاحتفال»، لكن مهلا ماذا يفعل حزب الله؟ هل «ينتحر» ويضحي بخيرة مقاتليه من «اجل لا شيء»؟ وهل يخوض معركة خاسرة ويائسة لحماية نظام متهالك؟
طبعا لا، فمعطيات الحزب في مكان آخر، لكن الاجابات عن تلك الاسئلة هي فعليا ما تقلق هذا الفريق، واذا كانت الحملة الاعلامية تتظهر على شكل «شماتة» بشهداء الحزب وتحريض بيئته على خياراته، ومحاولة محاصرته سياسيا «لعزله» وعدم اعطاء معركته بعدا وطنيا، فان ما يحصل في الكواليس شيء آخر، فوفقا لاوساط سياسية مطلعة على جولة وفد تيار المستقبل، ثمة مخاوف جدية لدى هذا الفريق من «الاثمان» السياسية التي قد تترتب على نجاح حزب الله في اقفال ملف الحدود اللبنانية بعد القضاء على «المجموعات التكفيرية»، هذا ما يفسر الاستنفار و«النفير العام» المعلن لدى هذا الفريق، وما يحمله هؤلاء الى السفارات العربية والغربية، وخلال الزيارات المكوكية على قيادات سياسية، الخشية هذه المرة ان لا تتكرر «صفقة» الدوحة مرة جديدة، واذا كان الحزب يجاهر بعدم تكرار التجربة الفاشلة مع الرئيس ميشال سليمان رئاسيا، فهو يشير من خلال العنوان الرئاسي الى ما هو ابعد من ذلك، وقد قرأت قيادات 14آذار في تخييرها من قبل نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، بين انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون او الفراغ الطويل الامد، بداية النهاية «للمسايرة» المعهودة من قبل حزب الله للاطراف السياسية الاخرى في البلاد، وهو ما ترى فيه بداية دفع «ثمن» الانتصار في القلمون، فاذا كان الخطاب وصل في وضوحه الان الى هذا الحد، فماذا بعد استكمال فصول المعركة؟
وانطلاقا من هذه القناعة «تستميت» هذه القوى لمنع حزب الله من تحقيق انتصاره، تضيف الاوساط، ولذلك حولت النقاش في مجلس الوزراء حول تكليف الجيش التعامل مع الوضع في عرسال وجرودها الى نقاش «بيزنطي» خرجت الحكومة بعدها ببيان «حمال للاوجه»، لكنه في الخلاصة لم يمنح المؤسسة العسكرية اي غطاء سياسي جدي للمبادرة في مواجهة المجموعات التكفيرية، وبحسب المعلومات فان قائد الجيش الجنرال جان قهوجي «غير مرتاح» للحملة المنظمة التي اطلقتها قوى 14اذار للدفاع عنه تحت شعار «القائد» الذي رفض ويرفض تدمير عرسال على رؤوس اهلها، وتحويل مطالب الجنرال عون حول التعيينات، الى منصة لاحراج القيادة العسكرية عبر الايحاء بان الطرف الاخر في البلاد لا يثق بها، ويريد توريطها في حرب الدفاع عن النظام السوري عبر استدراج الوحدات العسكرية الى حرب استنزاف في عرسال والجرود، والحديث عن توريط قيادة الجيش في حرب تقلل من حظوظ قهوجي الرئاسية. يضاف الى ذلك التسويق لمقولة ان حرب القلمون ليست حرب لبنان بل حرب النظام السوري، و«حزب الله» يريد انقاذ النظام من السقوط المحتم.
مقولة السقوط المفترض، يغذيها النائب جنبلاط «بتغريداته» الاحتفالية، لكن ما يقوله في العلن، يتناقض مع ما تبلغه ممن تبقى له من اصدقاء في موسكو الذين، ووفقا لاوساط ديبلوماسية، قالوا له صراحة، «ان الكرملين لم يتراجع قيد انملة عن دعمه للرئيس السوري، والجهود السياسية التي تبذلها موسكو لحل الأزمة من خلال دعم الحوار الوطني الشامل منذ «موسكو 1» و«موسكو 2»، لا تشكل مخارج لتبديل السطة القائمة على «جثة» النظام، فالتفاهم مع الغرب على البدائل غير متاح راهنا ولا يمكن اغراء روسيا بالحفاظ على مصالحها في سوريا بعد الاسد، فالرئيس اوباما لا يملك ان يقدم هكذا تعهدات، كما ان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في زيارته المقررة الى روسيا، لا يملك في جعبته ما يمكن ان يبدل بقناعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالرجلين بالنسبة له متواطئان بشكل او بآخر بتمدد المجموعات التكفيرية في سوريا والعراق وكامل المنطقة، والمكاسب التي حققها هؤلاء تثير قلق الكرملين، فالأعداد الكبيرة من المتطرفين الذين يغادرون روسيا وآسيا الوسطى للانضمام إلى «داعش» في سوريا والعراق تزيد مخاوف القيادة الروسية. والزخم الذي اكتسبه هؤلاء مؤخرا يزيد من قلق موسكو التي تخشى امتدادات جهادية على أراضيها. وبعد المبايعات المتكررة لابو «بكر البغدادي» في القوقاز، تخشى روسيا من عودة الانفصاليين الشيشانيين الذين يحاربون في سوريا لنقل المعركة الى أراضيها. وفي ظل هذه الظروف لا يمكن ان تدخل موسكو في صفقات ستكون نتائجها وخيمة على المنطقة والعالم، وهي غير مستعدة لتقديم تنازلات في ظل التوتر السائد بينها وبين الغرب على خلفية أزمة أوكرانيا، وموسكو لن تقبل بأن يتم «لي ذراعها» عبر صفقة تتخلى بها عن حليفها وتخلي الساحة بعدها لتلك التنظيمات الارهابية التي توظفها الاستخبارات الاقليمية والدولية، ولذلك من السذاجة الاعتقاد أن موسكو ستتخلى بسهولة عن معركتها مع الغرب في سوريا، او انها ستقدم تنازلات مجانية على حساب مصالحها الاستراتيجية في البحر المتوسط».
لكن ثمة فريق لبناني لا يريد ان يقتنع بذلك، تقول الاوساط، ويطرح الاسئلة من نوع، ماذا يمكن لحزب الله ان يفعله اذا سقط حليفه في دمشق؟ وللمفارقة فان تحقق هذه «الامنية» لا يجلب لهؤلاء الراحة وثمة من ابلغهم صراحة ان «يصلوا» كي لا يخسر الاسد ويضطر حزب الله لنزع «القفازات» والتعامل مع المعطيات والتطورات من زاوية «الحرب الوجودية» لان تلك المرحلة ستكون دون اي ضوابط ومفتوحة على كل الاحتمالات.
وفي الانتظار، يستثمر هؤلاء على ارباح المجموعات المسلحة لاضعاف حزب الله، وفرض خياراتهم في الداخل اللبناني، والانكى من كل ذلك، لا يريدون دفع ثمن خسارة خياراتهم، طبعا هم يسخرون من اعلان المقاومة عن انتصاراتها، ويكذبون كل صورة وكلمة، ومع اقتراب نهاية هذه الحرب، وسقوط الرهان على تحولها الى «فيتنام» او «مقبرة» لحزب الله، انتقل الجميع الى مرحلة جديدة من «الهلع»، عنوانها «كيف نمنع حزب الله من استثمار هذا الانتصار»؟.
طبعا حزب الله لا يريد ان يمس بحقوق الاخرين، ولا يرغب باقصاء احد، لكنه في المرحلة المقبلة لن يقبل المساومة على حقوقه وحقوق حلفائه، كما تقول اوساط بارزة في 8آذار، واذا كان الفريق الاخر سيبقى مصرا على عدم القبول بالجنرال عون رئيسا للجمهورية، فان الكثير من الاسئلة الجوهرية سيجري نفض الغبار عنها وابرزها سؤال يتعلق بمدى امكانية عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، وعندها قد تكون «المعادلة» هي التالية: اذا كان انتخاب «الجنرال» مستحيلا، فان عودة الحريري الى السراي الكبير ايضا مستحيلة.؟؟