Site icon IMLebanon

هل سيتمكّن الحزب من التمديد؟

 

إعتاد «حزب الله»، ولو من موقع الخصومة السياسية، ان يُبرم تفاهمات وطنية مباشرة أو مداورة، تُبقي سيطرته على قرار الدولة الاستراتيجي.

لم يخطئ السيد حسن نصرالله بقوله تعليقاً على بيان الخارجية اللبنانية المندِّد بالغزوة الروسية، بأنّه لو كان البلد فعلاً تحت هيمنته وسيطرته، كما يُتهّم من أخصامه، لما سمح بصدور بيان من هذا القبيل، وهذا الكلام صحيح. فلم يكن مثلاً باستطاعة وزارة الخارجية أو أي وزارة أخرى أن تُصدر بياناً أو تقوم بأي خطوة تتعارض مع توجّهات النظام السوري، فالوضع مختلف بين مرحلتي الإطباق السوري على القرار اللبناني، ومرحلة إمساك «حزب الله» بهذا القرار.

ولا خلاف بأنّ السيطرة الكاملة للنظام السوري على القرار اللبناني بكل تفاصيله ليست هي نفسها مع «حزب الله»، والحزب يعرف استحالة تكرار صيغة الحكم نفسها، كما يدرك انّ خروج الجيش السوري حرّر أجزاء من القرار اللبناني، ولكن من دون القدرة طبعاً على المسّ بسلاحه وتقييد دوره وحركته. وعندما تأكّد أنّ أخصامه فهموا رسالة استخدام سلاحه في 7 أيار 2008 رداً على قرار نزع شبكة اتصالاته، انتقل من ردّ الفعل إلى الفعل السياسي.

وعندما وجد انّ الفرصة مؤاتية لإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى وإخراج قوى 14 آذار من السلطة التنفيذية، لم يتأخّر، ظناً منه انّ بإمكانه إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل العام 2005، ولم يتأخّر أيضاً على طريقة حليفه السوري عندما حكم لبنان، في توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بأنّ إخراج هذه القوى لا يعني تشكيل حكومة «حزب الله»، ومبدياً كل تعاون وانفتاح مع هذا المجتمع لإدراكه أهميته كمتنفّس مالي واقتصادي للبنان، ولكن لم يُكتب لهذه التجربة النجاح. ومعروف انّ العجز في ميزان المدفوعات والتراجع في المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية بدأ منذ العام 2001 مع وضع الحزب يده على الحكومة.

والتمييز واجب بين ثلاثة أمور أساسية تعني قوى 14 آذار:
الأمر الأول، من الطبيعي عدم تخلّي القوى السيادية عن السلطة التي استعادتها من النظام السوري وأن تسلِّمها لـ»حزب الله»، وبالتالي ربط النزاع معه كان مسألة ضرورية، طالما انّها غير قادرة على إخراجه من السلطة ومضطرة إلى التعايش القسري معه، فعمدت إلى محاصرة دوره والتقليل من تأثيره، وهذا ما فعله الرئيس فؤاد السنيورة الذي ووجه بالتعطيل وصولاً إلى 7 أيار التي أوقفت الدينامية التي انطلقت مع انتفاضة الاستقلال.

فالتعايش لم يكن خياراً، إنما ميزان القوى السياسي فرض هذا التعايش الصراعي بين فريق يريد ان يدفع مشروع الدولة قدماً، وفريق آخر يريد فرملة هذا المشروع وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولم يكن أمام قوى 14 آذار سوى خيار توسيع مساحة الدولة ورقعتها.

الأمر الثاني، لم يكن من الطبيعي ان تُبرم بعض قوى 14 آذار تسويات تصبّ في مصلحة «حزب الله» ولو انّ بحوزته السلاح. فالاتفاق الرباعي بعنوان لبننة الحزب لم يكن في محله، ودعوة عواصم القرار إلى تعليق البند المتعلِّق بسلاح الميليشيات في القرار 1559 لم يكن موفقاً، والذهاب إلى اتفاق الدوحة لم يكن صائباً، والإعلان عن تشكيل حكومة وفاق وطني بعد انتخابات العام 2009 على رغم انّ السيد نصرالله كان دعا الفائز إلى تأليفها كان خطأً، والعودة إلى حكومات الوفاق بعد حكومة اللون الواحد في العام 2014 وخروج الحزب للقتال في سوريا كان خطيئة، والتسوية الرئاسية في العام 2016 لم تحصل سوى بسبب حماسة البعض للعودة إلى السلطة، بحجة انّ الفراغ سيُسقِط اتفاق الطائف ولم يعد من خيار سوى بانتخاب رئيس من 8 آذار، وتذكيراً بأنّ الحزب لم ينتخب الرئيس ميشال عون سوى بعد تبنّيه من الرئيس سعد الحريري على رغم انّ ترشيحه من «القوات اللبنانية» كان كفيلاً بانتخابه.

فالخطأ الذي وقعت فيه بعض قوى 14 آذار انّها لم تميِّز بين التعايش الاضطراري لعدم ترك السلطة التي انتزعتها على إثر خروج الجيش السوري من لبنان، وبين التنازلات غير المبرّرة التي أقدمت عليها وساهمت في تمكين الحزب وتعويده على الابتزاز للحصول على التنازلات المطلوبة.

ولا يستطيع الفريق الذي شارك في كل التسويات التي أُبرمت منذ العام 2005 ان يتنصّل من مسؤوليته في التسوية الرئاسية التي لم تكن لتحصل لولا التسوية التي أحيت حكومات الوفاق الوطني مع حكومة الرئيس تمام سلام التي فتحت الطريق أمام هذه التسوية، فيما كان السقف الموضوع آنذاك خروج الحزب من سوريا ووضع سلاحه على طاولة حوار جدّية.

الأمر الثالث، إذا كانت طبيعة المرحلة الممتدة منذ العام 2005 حتى العام 2019 استدعت التعايش الاضطراري لعدم ترك السلطة لـ«حزب الله»، فإنّ الانهيار المالي الذي وصلت إليه الدولة بعد هذا العام بات يستدعي التخلّي عن السلطة لهذا الفريق، خصوصاً انّ هذا التخلّي يترافق مع خروج خليجي من لبنان، وبالتالي لم يعد من مبرِّر لهذا التعايش، بل أصبحت الحاجة ملحّة لوضع الناس والانهيار في مواجهة «حزب الله» الذي أصبح أكثر من أي يوم مضى بحاجة إلى تسوية تعيده للتعايش الاضطراري الذي يشكّل له معبر الخلاص الوحيد.

وفي خضّم كل هذه الصورة تأتي الانتخابات النيابية ومن بعدها الانتخابات الرئاسية، فيما عين «حزب الله» ليست على النيابة التي باعتقاده لن تفرز أكثرية محسومة لأي من طرفي النزاع، إنما عينه على رئاسة الجمهورية من أجل إحياء التعايش الاضطراري، وإلّا الفراغ الحكومي والرئاسي على وقع الانهيار المالي والغضب الشعبي والحصار الخليجي، سيقود إلى فوضى دستورية وسخونة سياسية وتوترات ميدانية، ما سيدفع المجتمع الدولي إلى التدخُّل لإنهاء النزاع، خصوصاً انّ البطريرك الماروني بشارة الراعي كان رفع عنوان المؤتمر الدولي لحلّ الأزمة اللبنانية.

ولا شك انّ «حزب الله» يدرك هذا الواقع والوقائع جيداً، ويدرك أكثر انّه لم يعد هناك من لاعب محلّي على استعداد لمدّ اليدّ له لإبرام تسوية تعيد إحياء التعايش الاضطراري، وبالتالي كيف سيواجه هذا الواقع؟ وما الخطوات التي يمكن ان يُقدم عليها، لأنّ التعايش مع الفراغ طويلاً أصبح متعذّراً؟ وهل هناك من سيتبرّع لمدّ اليدّ له، ومن؟

ومن الثابت مبدئياً انّ المرحلة التي بدأت مع وراثة «حزب الله» للنظام السوري في لبنان تنتهي منتصف ليل 31 تشرين أول المقبل مع نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، ولن يعود ممكناً تمديد هذه المرحلة او تجديد التسوية او إحياء فلسفة التعايش الاضطراري سوى بتسوية جديدة تتطلّب تدخّلاً دولياً لإنهاء الفراغ وعودة الدولة إلى انتظامها على غرار ما حصل في العام 2016. فهل سيتمّ تفويت هذه الفرصة الثمينة كما تمّ تفويت فرص ثمينة أخرى