قوى 14 آذار والشعور المتنامي «باليتم»
لماذا تحوّلت الى «الحلقة الأضعف»؟؟
في «رزنامة» قيادات قوى 14آذار ثمة شهرين في السنة يقتربان من «هالة التقديس»، شباط وآذار، فثمة مناسبتين تشكلان مادة «دسمة»للاستثمار السياسي، ومخاطبة الجمهور لاقناعه ان «الشغل ماشي» والاوضاع على ما يرام والاستراتيجية «الاستقلالية» تشق طريقها نحو تحقيق اهدافها، لكن قد يكون هذا العام مختلفا، فثمة شعور دفين «باليتم» لدى القيادات الاذارية بفعل التغييرات والتبدلات المتسارعة في المنطقة والعالم، فلا هم باتوا قادرين على التأثير في الاحداث، ولا الدول الراعية مهتمة بمتابعة تفاصيل معركة «طواحين الهواء» غير المجدية التي تولوا قياداتها عبر سنوات لم يحصدوا خلالها الا الفشل.
واذا كان خطباء 14 شباط و14 آذار يعانون في البحث عن مفردات علها تنجح في شد «عصب» جمهور فقد «البوصلة»، فان اكبر الدلائل على «التفليسة» القائمة، برأي اوساط في الثامن من آذار، ذلك الربط «الغبي» لاذاعة لبنان الحر التابعة للقوات اللبنانية بين حرق «داعش» للطيار الاردني معاذ الكساسبة، والحادث العرضي الذي ادى الى استشهاد النقيب سامر حنا في اقليم التفاح قبل اعوام، واذا كان اول ما يحضر الى الاذهان المثل الشعبي «شو جاب كذا لمرحبا»، فان هذا الاسلوب «الرخيص» يدل على ازمة جدية لدى هذا الفريق في استحضار خطاب متماسك يشرح فيه هؤلاء اسباب هذه الاخفاقات المتتالية، اما اسباب هذا الشعور «بالوحدة» وفقدان التوازن، فتشرحه اوساط ديبلوماسية في بيروت بالتاكيد ان «المعضلة» الرئيسية تتمثل بالمرحلة الانتقالية في المملكة العربية السعودية، وكذلك تبدل الاولويات الاميركية في المنطقة.
وبحسب المعلومات، فان قيادات قوى 14آذار لمست خلال زيارات التعزية الاخيرة الى المملكة ثباتا في السياسة السعودية تجاه ملفات المنطقة، ومنها الملف اللبناني، الا انها لمست ايضا من خلال اللقاءات الجانبية مع الرئيس سعد الحريري ان المشكلة ليست في ثبات الاستراتيجية السعودية وانما في التغييرات الدراماتيكية المحيطة بالمملكة، ما فرض تبديلا في الاولويات، فرضت تراجعا في الاهتمام بالساحة اللبنانية، فمخاطر التحرك في لبنان مرتفعة وغير مضمونة، وبقاء الوضع على ما هو عليه يعتبر انجازا، والنجاح في الحفاظ على «الستاتيكو» القائم اكثر ما تطمح اليه القيادة السعودية. الملك سلمان بن عبد العزيز تسلم القيادة في ظل كم هائل من التحديات الإقليمية والدولية الخطيرة جدا، وبحسب ما سمعته قيادات 14 آذار من المسؤولين السعوديين فان الاولية اليوم تتعلق بالتمدد الإيراني المطبق على السعودية في الشمال والجنوب، والملف اليمني يتصدر الاهتمام وليس اي شيء آخر، وقد انتقلت رهانات «الاذاريين» للحديث عن خسارة محتومة لايران في اليمن، ستترك انعكاساتها على مجمل الصراع القائم في المنطقة، وفي اولويات المملكة ايضا الأزمة السورية، وإشكالية «داعش» والتنظيمات «التكفيرية»، وتمدد الخطر الى داخل «البيت الاردني»، والحرب المفتوحة على «الإخوان المسلمين»، وحماية مصر، والخطر التركي، والوضع المتفجر في ليبيا. اما الازمة الكبرى فهي مع الولايات المتحدة المصرة على تجاوز مصالح المملكة في الاتفاق النووي المزمع انجازه مع ايران، مع تراجع أهمية النفط في القرار السياسي الأميركي.
وفي السياق نفسه، تؤكد تلك الاوساط، ان هذه المؤشرات الاميركية تزيد من منسوب القلق وتغذي هذا الشعور «باليتم» لدى قوى 14 آذار، «فقواعد اللعبة» الجديدة التي نجح حزب الله في فرضها على اسرائيل بعد الرد في مزارع شبعا على اعتداء الجولان، بدد كل الحسابات الخاطئة لدى جزء كبير من فريق 14آذار، عبر عنه «بصوت عال» رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي افترض ان الرد الاسرائيلي حتمي واستعجل يومها تحميل المقاومة المسؤولية عن التداعيات، لكنه اكتشف مع «المراهنين» ان الولايات المتحدة غير مستعدة لتغطية حليفتها في المنطقة في اي حرب او حتى مواجهة ضيقة النطاق، وهذه كانت «رسالة» واضحة لكافة حلفاء واشنطن بان اولويات الادارة الاميركية في مكان آخر، وهي اليوم ليست في وارد تغطية اي «معركة» جانبية على حساب مصالحها، فاذا كانت اسرائيل غير قادرة على جر واشنطن الى «مستنقع» لا تريد الغرق في «وحوله» فان اي من الاطراف اللبنانيين لن يكون قادراً على ذلك، وقد سمعت القيادات الاذارية كلاما واضحا من السفير الاميركي ديفيد هيل على شكل «نصيحة» بان «تستفيد قوى 14 آذار من مناخات «التهدئة» الراهنة وعدم تكبير «حجر» رهاناتها في خوض مواجهة مع الطرف الاخر لانها لن تجد دعما اميركيا في هذه المرحلة الحساسة من المفاوضات النووية مع ايران.
وترتفع مؤشرات القلق لدى هؤلاء في ظل المعلومات التي تفيد بان واشنطن قررت بذل جهود مضنية من اجل أن يتم التوقيع على اتفاق الاطار مع ايران قبل نهاية آذار. وكل المعطيات تدل على استعداد ادارة اوباما للوصول إلى تنازلات بعيدة المدى وأبعد من تلك التي تضمنها الاتفاق المرحلي في تشرين الثاني 2013، والمقلق بالنسبة الى حلفاء واشنطن ان ثمة اقتراح جديد يشكل تراجعا كبيرا عن المطلب الاساس للدول الغربية للوصول في الاتفاق النهائي إلى تقليص هائل في عدد اجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، التي ستبقى لدى ايران. وبدلا من الطلب الاصلي لتقليص عددها من 10 آلاف إلى ألفين فقط، تتجه واشنطن للموافقة على بقاء الجزء الاكبر من اجهزة الطرد المركزي الموجودة لديها. وذلك من خلال ادخال تغييرات في بنية وطريقة عملها، تضمن كما يبدو أن تكون كمية اليورانيوم المخصب التي يمكنها انتاجها أقل كثيرا من الكمية الاصلية.
اما لماذا يحق لحلفاء واشنطن ومنهم اللبنانيون ان يقلقوا من حماسة الرئيس اوباما لتوقيع الاتفاق، فهذا يعود الى رغبة الرئيس الاميركي في بناء اتفاق استراتيجي مع طهران بحسب اوساط ديبلوماسية يعترف من خلاله بنفوذ ايران في المنطقة «كشريك» موثوق في مكافحة «الارهاب»، وهو يامل ازاء نجاحاته القليلة في الساحة الدولية، ان يسجل التاريخ اسمه كرئيس نجح في التفاهم مع متزعمة «محور الشر» لبناء «شركة» وفقا لنموذج العلاقات القائمة مع الصين.
وامام هذه المعطيات، فان «ضعف» الرعايا الخارجية لفريق 14آذار تفترض بقاء الساحة اللبنانية بعيدة عن اي اهتزاز سياسي يقلب «طاولة» الحوارات القائمة راهنا، فالسعودية تحتاج الى التخفف من «عبء» هذا الملف لمواجهة سلسلة الانهيارات المتلاحقة في منظومتها الاستراتيجية في المنطقة، ولا تريد مراكمة خسائر جديدة في سجل اخفاقاتها، لكن السعوديين الذين يتحدثون عن مفاجآت تعيد خلط «الاوراق» في اليمن ويغامرون بلعبة «مذهبية» لتشكيل تحالف فيدرالي اتحادي جديد يضم اقاليم سنية خمسة على أساس مذهبي، وليس على أساس جغرافي في مواجهة «انصار الله»، ولا يبدون اي نية جدية في فتح قنوات لحل الازمات المفتوحة مع طهران، ويراهنون على فشل المحادثات النووية، ويتشددون في ملف الازمة السورية، يلعبون «بالنار» في منطقة «ملتهبة». اما الطرف الآخر فلم يعد يضع اي اعتبار «لخطوط حمراء» سقطت الواحدة تلو الاخرى، فعندما تتسرب المعلومات عن سماح المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي للحرس الثوري بالقتال في الدول الحليفة، وعندما تصبح جولات قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني علنية في دول المنطقة، وعندما يرفع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من سقف التحدي مع اسرائيل، فهذه كلها دلائل على ان الاشهر المقبلة ستكون قاسية، اما الثابتة الوحيدة فهي ان فريق 14 آذار هو «الحلقة الاضعف» في هذه المعادلة، وقد يكون ذلك من «حسن حظ» اللبنانيين.