IMLebanon

14 آذار.. من الهجوم الى الدفاع؟!

يحلو لـ«صقور» قوى الرابع عشر في آذار التصويب على «خصومهم» في قوى الثامن من آذار، تارة بالقول أنّ تحالفهم بات أضعف من أيّ وقتٍ مضى وأنّ الكيمياء مفقودة فيما بينهم، وطورًا بالحديث عن «ارتباكٍ» في صفوفهم و«تناقضٍ» في رؤاهم وتطلّعاتهم.

إلا أنّ واقعًا معاكسًا بدأ يتراءى لهذه القوى بشكلٍ واضحٍ في الأيام الأخيرة، حيث بات «التباين» هو سيّد الموقف داخل صفوفها، في مقاربة الاستحقاقات والقضايا المختلفة، لدرجةٍ لم تعد معها عبارة «تمايز» كافية لتوصيف الواقع، على حدّ تعبير مصادر سياسية مطّلعة.

من طاولة الحوار، تنطلق هذه المصادر لتلفت إلى وجود ثلاثة مواقف مختلفة لحدّ التناقض بين المكوّنات الثلاثة الأساسية لهذه القوى، فـ«تيار المستقبل» مشاركٌ فعّال في الحوار ويعتبر أنّ «لا بديل» عنه، و»حزب الكتائب» أصبح مشاركًا «مع وقف التنفيذ» بعدما رهن الموضوع بحلّ أزمة النفايات، و«القوات اللبنانية» مقاطعةٌ للحوار من أصلِه، لاعتبارها أنّه «بلا جدوى ولا طعم». وتشير المصادر إلى أنّ الأمر نفسه يسري على الحكومة «السلاميّة» أيضًا، ففيما يعتبرها «تيار المستقبل» كنزاً ثمينًا لا يجوز التخلّي عنه، ويحارب بكلّ ما أوتي من قوة من أجل بقائها، لا يتردّد «حزب الكتائب» في «المجاهرة» بـ«التمنّي» لو كان خارجها، بالنظر لحالة «الشلل» التي تتخبّط فيها، فيما تقاطعها «القوات» لرفضها الجلوس على طاولةٍ واحدةٍ مع «خصومها»، وفي مقدّمهم «حزب الله».

وأبعد من «الشكل»، تتحدّث المصادر عن «تباينٍ» أيضًا في مقاربة مختلف القضايا والاستحقاقات، الأمر الذي أدّى لبعض «الحساسيّات» فيما بين هذه القوى، التي بات كلّ منها يشعر أنّه يغرّد وحيدًا بدون «مساندة» حقيقية من قبل «حلفائه»، فـ«تيار المستقبل»، على سبيل المثال، وجد نفسه في مرحلةٍ ما يواجه «التيار الوطنيّ الحُرّ» وحيدًا، بعدما كبّل «إعلان النوايا» يد «القوات» وانتهج «الكتائبيون» سياسة «التمايز»، الذين لا يجدون أيضًا من يتّحد معهم في رفض مبدأ «التشريع» بالمُطلَق في ظلّ الشغور الرئاسي، ورأت «القوات» أنّ أحدًا لا يشاركها تطلّعاتها ومبادئها، وأنّ «حبّ السلطة» يبقى فوق كلّ اعتبار. وإذا كانت هذه القوى تهاجم خصومها على «ارتهانها للخارج»، فإنّ «أسهم» بعض مكوّناتها باتت تطال البعض الآخر، سواء لجهة تسليم بعض أطرافها أمرهم للسعودية بشكلٍ كاملٍ، أو حتى لـ«استبشارهم» خيراً بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات التشريعية التركية، في موقفٍ لا يختلف بشيء عن «تهليل» بعض قوى الثامن من آذار للتدخل العسكري في روسيا، وافتراضها أنّه سينعكس إيجاباً عليها في لبنان.

رغم كلّ ذلك، حافظت قوى الرابع عشر من آذار على صورتها «الموحّدة»، نظرًا لما ترمز إليه من تحالفٍ تاريخيّ واستثنائيّ، تجاوز الكثير من الصعوبات والعقبات، وفق المصادر. لكنّ وقائع الأسابيع القليلة الماضية أوحت وكأنّ هذه القوى أعادت تموضعها من «الهجوم» إلى «الدفاع»، وبدل أن تكون صاحبة «المبادرة» باتت في موقع «ردّ الفعل» لا أكثر ولا أقلّ، تقول المصادر، التي تلفت إلى «المرونة المستقبليّة» في مواجهة تصعيد «حزب الله» غير المسبوق. صحيحٌ أنّ الوزير نهاد المشنوق كان «البادئ» بشكلٍ أو بآخر، إلا أنّ المصادر تلاحظ أنّ تيّاره سارع إلى التراجع والظهور بمظهر الضعيف، فيما كان «حزب الله» يرفع السقف إلى أعلى الحدود، من دون أن يكترث أو يأبه بمشاعر هذا وعواطف ذاك، ولا حتى بالتداعيات، وهو التراجع نفسه الذي «ضُبِط» رئيس الحكومة تمام سلام ملتبّسًا به كلما لجأ إلى «التهويل» بالاعتكاف والاستقالة، لينتهي الموضوع في «الاتجاه المعاكس» تمامًا.

الأمر نفسه يسري على الانتخابات الرئاسية وغيرها، حيث لا يبدو صوت هذه القوى مسموعًا، ما يؤكّد عجزها عن إحداث أيّ خرقٍ، رغم أنّها تردّد ليلاً نهارًا نغمة ضرورة النزول إلى المجلس النيابي، ويذهب بعض أركانها لإصدار «الاجتهادات» لإنقاذ الاستحقاق إلا أنّها تبقى «حبراً على ورق». أما «الإنجاز الوحيد» الذي يمكن القول أنّ هذه القوى قد حقّقته، فهو بحسب المصادر نفسها أنّها عرقلت «تسوية الترقيات» ومنعت تنفيذها، مسجّلة بذلك نقطة في مرمى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، في وجه «النقاط الكثيرة» التي يسجّلها الأخير في مرماها.

هكذا، لم يعد سرًا أنّ القوى التي تتباهى بأنّها من صنعت «ثورة الاستقلال» وأنّها من «أخرجت» الجيش السوري من لبنان ليست في أفضل أحوالها، لدرجة أنّ بعضها بات يفضّل «البكاء على الأطلال»، باعتبار أنّ كلّ العناوين التي طرحتها في السنوات الأخيرة لم تتحقّق. تقول المصادر أنّ هذا الكلام لم يعد فقط كلام الخـصوم، بـل بات يتردّد على طريقة «النقد الذاتي» داخل هذه القوى، وقد شكّلت «صلب الاهتمام» في الاجتماع «القياديّ» الذي عقدته هذه القوى مساء الاثنين بعيدًا عن الإعلام.

وإذا كان الهدف من هذا الاجتماع «تنسيق المواقف» عشية الاستحقاقات التي ينتظرها لبنان، من استمرار الحوار إلى الجلسة التشريعية مرورًا بالحكومة وتشعّباتها، فإنّ المصادر تلفت إلى أنّ المجتمعين اتفقوا بشكلٍ أساسي على «ترتيب الأولويات» في المرحلة المقبلة، ربما لتلافي المزيد من «المواقف المحرجة»، خصوصًا أنّ جميع مكوّنات هذه القوى قد لا تكون متفقة هذه الأيام إلا على مبدأ وجوب الحفاظ على جسم «14 آذار» المتكامل ومنع انهياره بأيّ شكلٍ من الأشكال، ومهما كان الثمن، لإدراكهم أنّ قوتهم تبقى في اتحادهم أولاً وأخيرًا.

ولعلّ ما يزيد من «حراجة» الموقف، بحسب المصادر، أنّ قوى «14 آذار» إذا كانت قد تميّزت بشيءٍ في السابق كان خصومها «يحسدونها» عليه، فهو «إطارها القياديّ» الذي عملت قوى «8 آذار» المستحيل لـ«التشبّه به» من دون أن تستطيع. ولكن هذا الإطار بات مفقودًا اليوم، تقول المصادر، التي تلفت إلى أنّ أحدًا لم يعد يسمع بالاجتماعات الدورية لهذه القوى، أو حتى باجتماعات أمانتها العامة التي باتت في خبر كان بعدما فقدت هيبتها، بل إنّ ما سُمّي بـ«المجلس الوطني» يكاد يكون «مستترًا» في أفضل الأحوال، بلا وجود ولا حيثيّة فعليّة.

لا ينكر أحد أنّ قوى «14 آذار» استطاعت أن تفعل الكثير في مرحلةٍ ما، خصوصًا مع ولادتها بعيد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، حيث شكّلت تجربة نموذجية فريدة كان لبنان يفتقد لها. لكنّ الترحّم على الماضي والبكاء على الأطلال لا ينفع اليوم، والمطلوب استراتيجيّة حقيقيّة لضمان البقاء، في عالمٍ لا مكان للضعيف فيه…