اتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأسبوع الماضي، بحلفائه في المنطقة، ومنهم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، لطمأنتهم بشأن الاتفاق النووي الايراني. لكنه أسقط من لائحة اتصالاته قادة «ثورة الأرز» التي لم يكن سكان البيت الأبيض، في فترة ما بعد 2005، يأوون الى أسرّتهم قبل اطمئنانهم الى حسن سيرها، والى سهر سفيرهم في بيروت جيفري فيلتمان على راحة «الثوار»!
«زمن أول تحوّل». هذه هي حال هذه القوى اليوم، وهو ما عبّر عنه منسق الأمانة العامة في قوى 14 آذار فارس سعيد، في تغريدة على «تويتر» أخيراً، بالقول: «لا تجعل أحدهم أولوية إذا كان يتعامل معك كخيار»!
فعلياً، ترسّخت عزلة قوى 14 آذار الدولية نهائياً مع إبرام الاتفاق الأميركي ــ الايراني. لا سفير أميركي يبرّد القلوب الملتهبة، ولا سفير سعودي متفرغ لهزّ سرير هذه القوى التي باتت تترقب مناسبة ما للقائه أو مجرد مصافحته، حتى ولو كانت مناسبة تقديم التعازي بوزير الخارجية السابق سعود الفيصل. انقلبت الموازين: من كان يستضيف أميركا وأوروبا في صدر منزله ويعيّر رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون بعزلته الدولية باستثناء طريقي دمشق أو طهران، أصبح اليوم يتحيّن الفرصة للتقرب من عون أو معارضته بشراسة من دون سبب لعل ذلك يعيد اليه بعضاً من الاهتمام الأميركي أو السعودي.
يبدو واضحاً أن ثمرة المشروع الأميركي ــ السعودي في لبنان، أي ما سمّي انتفاضة الاستقلال وقوى 14 آذار، انتهت صلاحيته منذ ما يقارب عاماً وتُرِك هؤلاء من دون عرّاب يرعاهم. «اللعبة باتت كبيرة جداً» على ما يقول مصدر آذاري. «انفخت دف الرعاة فتفرّق عشاق الثورة». بهت صدى تصريحاتها ومطالبها، وأصبحت لا تلتقي إلا سنوياً حول إفطار يقيمه تيار المستقبل في «البيال» حيث يخطب فيهم سعد الحريري عبر شاشة عملاقة من منزله السعودي.
عملياً، لا خيار فعلياً لدى غالبية الأحزاب والمنضوين تحت لواء قوى 14 آذار، بعد الاتفاق الأميركي ــ الايراني وتبدّل خطط اللاعبين الإقليميين: النائب وليد جنبلاط في «أزمة وجودية» بسبب سير السفن السياسية دولياً عكس ما تشتهي رياحه، بعد أن ذهب بعيداً في مواقفه. رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في منفى وتياره محرج شعبياً ومالياً وسياسياً وحكومياً مع الحلفاء والخصوم لناحية عدم قدرته على تغيير أنملة من دون ضوء أخضر السعودي. رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع لم يجد أخيراً بدّاً من وضع يده في يد خصمه اللدود ميشال عون. يجهد حزب الكتائب لجذب الكاميرات، ولو اقتضى الأمر إقفال طريق رئيسية ليومين متتاليين لتقبّل التهانئ بتوريث الأب عباءته لنجله. «في المحصّلة، بلغ الآذاريون اليوم ذروة الإفلاس السياسي مع عزل الأميركيين والسعوديين لهم نهائياً عن المشهد المؤثر في المنطقة وتيتّمهم في صباهم السياسي». يبقى أن يبدأ الفرز تدريجياَ بينهم: بين سعودي معارض للاتفاق وساع الى عرقلة تداعياته في لبنان قدر الإمكان، وأميركي مؤيد للصفقة الدولية ومدافع عن خيار الغرب، وبالتالي «راكب للموجة». وقد يظهر في الحزب نفسه الاحتمالان.
لم يبق من الشالات الحمراء والبيضاء المتوسطة للحشود المجتمعة في رياض الصلح سوى صورة فولكلورية يعاد نشرها في التاريخ نفسه من كل عام. أعوام العزّ التسعة لن تعيد تكرار نفسها بالطبع. ليس من يعبّر عن المشهد برمته بوضوح سوى فارس سعيد. في صورة نشرها على صفحته يظهر بدويان يمتطيان جملين في الصحراء كتب تحتها: سأحقق هذا الحلم يوماً ما. من كان يعيّر عون بولاية الفقيه و»الشادور» يحلم اليوم بالحجّ على الجمال في الصحراء… والناس راجعة!