في ذكرى 14 آذار، أحيا منسق الأمانة العامة فارس سعيد، الذكرى من خلال مؤتمر صحافي. ذكريات جميلة يستعيدها «صانعوها» وشعارات رنانة لم يتحقق منها طوال 11 عاماً أي شيء. أما سعيد، فيُصر على أنه مؤتمن على «الوحدة المسيحية ـ الإسلامية. حين تتلاشى أزعل»
مكتب النائب السابق فارس سعيد في مقرّ الأمانة العامة لقوى 14 آذار في الأشرفية، ضاق أمس بـ«الآذاريين» الذين أتوا يتذكرون وإياه أيام «الزمن الجميل»، مستعيدين صور «ثورة» حجزت، من وجهة نظرهم، مكاناً لها في كتاب التاريخ الحديث بعد أن نجحت في «إخراج الجيش السوري» من لبنان. رغم الأعداد القليلة التي أتت تُربِّت كتفَي سعيد «مواسية» بعد أن «يتمته» أحزاب فريقه، إلا أنّ ضيق المكان أوحى بأنها كثيرة. مرّ زمن ولم تشهد مكاتب «الأمانة» هذه الحركة. من تسابق في «استقلال 05» على حجز مكانٍ له على المنبر من أجل «تجييش» المتظاهرين، غاب أمس.
الشباب الذين باتوا ليالي عدة في العراء حتى تحقيق «الحلم»، انكفأوا إلى طوائفهم وأحزابهم… ومنازلهم، بعد أن خاب أملهم. من استمعوا أمس إلى سعيد كانوا أعضاء «النخبة الوسطى» في «14 آذار»: صحافيون وأطباء وعسكريون سابقون…
يتذكر سعيد كيف كان يُفترض في ذاك «الاثنين المشمس والدافئ» من عام 2005، أن يكون أول الخطباء. عُدّل البرنامج بسبب تهافت أعضاء «الأوركسترا» على الحديث. هذا العام تبدّلت الآية، فوقف سعيد مكسور الجناح أمام أشخاصٍ لا مصالح سياسية لغالبيتهم خارج إطار الأمانة العامة. في البدء كانت الساحة «المليونية»، ثمّ قاعتا «البيال» و«البريستول»، لينتهي بهم الأمر في غرفة اجتماعات «الأمانة». الأمر اللافت كان الاهتمام الإعلامي بمؤتمر سعيد، الذي أفرغ جام غضبه على حزب الله قبل أن يخصّ مندوب قناة «المنار» بمقابلة!
«نحن خذلنا الجماهير. هذا الشعب لا أحد يأخذه اليوم إلى حيث يجب»، يقول سعيد في دردشة مع «الأخبار». بعد 11 سنة «أنا زعلان على البلد وليس على 14 آذار»، قبل أن يضيف أنه «مؤتمن على فكرة واحدة: الوحدة المسيحية ــ الإسلامية. حين تتلاشى أزعل».
كيف بدأ يوم «الانتفاضة» عام 2005؟… سعيد: انتهى بسكرة عند وليد جنبلاط
قبل ساعتين تقريباً من موعد المؤتمر الصحافي، تمركز سعيد داخل مكتبه مختاراً ربطة عنق زرقاء للمناسبة. كيف بدأ يوم «الانتفاضة» عام 2005؟ «الأفضل البدء من حيث انتهى: سكرة في المختارة عند وليد جنبلاط». تستريح كلمات «الحكيم» بين الفكرة والأخرى، دون أن يبذل جُهداً لقمع غصته: «صورة 14 آذار ما بتروح من بال حدا». عاجلته زوجته زينة بـ«طعنة»، إذ دخلت «تُرندح» مازحة: «خلصت خلصت قصتنا»، فلا يجد أفضل من وصفها بالشاعر الزجلي حنا موسى الذي يلقي قصائد رثاء.
كل الحاضرين سخروا من حالهم وحمّلوا حزب الله، كما دائماً، مسؤولية عجز أحزابهم عن المواجهة السياسية. «هلّق عم تمزحو. يللي رح تسمعوه ما رح يخليكم ترجعو تمزحو»، يردّ سعيد عليهم.
طوال 11 عاماً، حصر هذا الفريق نفسه في إطار تحالف الطوائف في البلد. لم يتمكن من احتضان حالة العماد ميشال عون، فخسر حليفاً أساسياً. فشل في إسقاط رئيس الجمهورية السابق إميل لحود بعد أن اجتاحت الطرقات حملات «فِلّ». بقي سجين كونه «إبن ظرف دولي»، فأصبح يخوض معارك «الغرب» الإقليمية محلياً. طوال سنوات، ظلّ يعيد شعارات «باطلة» حتى أنها فقدت «بريقها» الشعبي: سحب سلاح حزب الله، الشرعية، الوحدة والتعايش الإسلامي ــ المسيحي. ماذا تحقق منها؟ لا شيء. امتهن «الآذاريون»، أحزاباً ومستقلين، المهادنة السياسية: قبلوا بحكومات الوحدة الوطنية بعد أن نالوا أغلبية نيابية، تنازلوا في اتفاق الدوحة بعد 7 أيار 2008. «زعيم» تيار المستقبل وضع يده بيد من يتهمه بقتل أبيه، الرئيس السوري بشار الأسد، يوم زار سوريا عام 2009. حاوروا حزب الله وهم يدعون كلّ يوم إلى «الطلاق» معه وطنياً. تبنّوا ترشيح كل من عون والنائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن سلّموا بأنّ الغلبة هي لفريق 8 آذار. عجزوا عن الحفاظ على هويتهم كفريق معارض، فثبت أنّ معظمهم استغلّ «اللحظة» للعودة إلى السلطة على ظهر حصان «الاستقلال».
يوم أمس، كان كلام فارس سعيد في «الأمانة العامة» أصدق تعبير عن الحالة التي انحدر إليها فريق 14 آذار، منذ «مليونيته» عام 2005 حتى اليوم. فيما كان أركان هذا الفريق يتصرفون كقيادة لمجلس ثورة انتصرت، عبّر سعيد عن واقعه الراهن إذ قال: «أشفقت على نفسي في مهمة لمّ الشمل، إذ أراني كما قال الشاعر: ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له… إياك إياك أن تبتل بالماء».