إذا كان المثل الشائع يقول «ما أشبه اليوم بالأمس»، فإنّ نقيضه بالتحديد هو لسان حال قوى الرابع عشر من آذار عشيّة الذكرى السنوية العاشرة لانطلاقتها، وهي التي باتت تشعر أنّ ما يفرّقها بات أكثر ممّا يجمعها، وأنّ «الزمن الجميل» الذي مثّلته سنواتها الأولى يكاد «ينطفئ» تمامًا، بل إنّ البعض فيها يجزم بأنّه «ولّى إلى غير رجعة».
«الكثير تغيّر»، تجزم مصادر في هذه القوى، وهي تسترجع سجلّ السنوات العشر، بما يشبه «النقد الذاتي» لمسيرة كان مأمولاً منها الكثير، كما تقول، قبل أن تصطدم بواقع هذه البلاد المُرّ، واقعٌ باتت هذه القوى، سواء أرادت أم لم تُرد، جزءًا لا يتجزّأ منه، بل وقعت في فخّه دون أن تدرك التداعيات الكارثية التي يمكن أن تصيبها جراء ذلك قبل غيرها.
بكثيرٍ من الفخر، تسترجع هذه المصادر تاريخ «14 آذار 2005»، هذا التاريخ الذي صنع «ثورة» بكلّ ما للكلمة من معنى، على حدّ تعبيرها، «ثورة» كانت الأولى من نوعها في المنطقة العربية، وسبقت كلّ موجات ما اصطُلح على تسميته بـ«الربيع العربي»، من تونس إلى مصر، مرورًا بليبيا، وصولاً إلى سوريا. برأيها، كانت كلّ الظروف مؤاتية لصناعة هذا اليوم التاريخي، والذي أتى بعد شهرٍ واحد على «زلزال» اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، والغضب الشعبي الذي أحدثه في الشارع اللبناني، وهي لا تنكر أنّ تظاهرة «شكرًا سوريا» التي نظّمتها قوى «8 آذار» في رياض الصلح خدمتها بشكلٍ كبير، نظرًا لردّات الفعل العكسية التي أنتجتها في الشارع، خصوصًا أنّها أتت بالتوازي مع الاتهامات التي تمّ توجيهها للنظام الأمني اللبناني السوري بالتورط في الاغتيال.
من هنا، فإنّ المصادر تقرّ بأنّ «14 آذار» في أصلها كانت صدى للشارع وللمجتمع المدني قبل أيّ شيء آخر، وهي بالتالي لم تكن عند إطلاقها عبارة عن تجمّع سياسي استراتيجي، باعتبار أنّ دماء الشهيد رفيق الحريري هي التي جمعت كلّ التيارات التي سارت في كنفها، والتي رفعت شعارات العدل والثأر للحريري وسائر الشهداء الذي سقطوا من بعده على الطريق نفسها، لدرجة لا يتردّد البعض في القول أنّها جمعت الأضداد بشكلٍ أو بآخر. ولكن، رويدًا رويدًا، دخلت هذه القوى في تحالف عريض باتت له كلمته في معظم الاستحقاقات، وتجسّد هذا التحالف من خلال الاحتفالات الشعبية والجماهيرية، والتي حرصت هذه القوى على تنظيمها سنويًا، قبل أن يخفّ «وهجها» و«بريقها»، تزامنًا مع ضرب «عاصفة الخلافات» لصفوفها، وخصوصًا في داخل أمانتها العامة، لتصبح احتفالاتها متمركزة داخل الغرف والقاعات المغلقة في أفضل الأحوال.
اليوم، يمكن القول أنّ «ورشة الترميم» قد بدأت داخل قوى «14 آذار»، بعد اقتناع مكوّناتها الأساسية أنّ شيئًا ما قد «كُسِر»، وقد ساهمت العديد من العوامل السياسية وغير السياسية فيه، بدءًا من «انشقاق» رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط عن الفريق «الآذاري» وهو الذي كان يُعَدّ «قائد الأوركسترا»، وما خطاباته في ساحة الشهداء والتي لا تزال ماثلة في الأذهان سوى خير دليل على ذلك، وصولاً إلى «الطموحات الرئاسية» التي فرّقت الكثيرين من «أبناء ثورة الأرز» وحوّلتهم لـ«خصومٍ غير مُعلَنين»، مرورًا بـ«التمايز الكتائبي» الذي تكاد «تجلياته» لا تُعَدّ ولا تُحصى، دون أن ننسى كذلك الأمر «غياب الكيمياء» بين عددٍ من المكوّنات، والتي أدّت لتراجع الأمانة العامة ودورها.
رغم كلّ ذلك، ترفض المصادر ما يسرّبه البعض عن «انهيار» هذه القوى، وهي تصرّ على أنّ كلّ حركةٍ، صغيرة كانت أم كبيرة، لا بدّ أن تمرّ بـ«طلعات ونزلات»، وبالتالي فإنّ كلّ هذه الأمور تبقى في سياقها «الطبيعي» الذي لا يحتمل «التضخيم» الذي لا يعدو كونه سوى «أمنياتٍ» لدى البعض ستبقى «أضغاث أحلام» على حدّ تعبير المصادر، التي تشدّد على أنّ الأساس «الجامع» يبقى واحدًا، في حين أنّ «الاختلافات» التي يُحكى عنها هنا وهناك تبقى «تفاصيل»، وتقول: «حتى لو كان الشيطان يكمن في التفاصيل، فإنّه لن يقوى هنا على زعزعة الأساس، أياً تكن المحاذير والعقبات».
مع ذلك، فإنّ الهواجس «المشروعة» حضرت في «الخلوة» التي نظمتها قوى الرابع عشر من آذار قبل يومين، تأسيسًا لاحتفال الذكرى العاشرة، والذي تؤكد المصادر أنه سيكون مختلفاً، حيث ستكون الخطابات السياسية الغائبة الأكبر عنه، نظرًا لاتساع رقعة «التباينات» فيما بين أفرقائها، ليحلّ كبديلٍ عنها شريط وثائقي «يؤرشف» لمسيرة السنوات العشر، ووثيقة سياسية بدأ العمل على بلورتها من خلال لجنة «جامعة» تألّفت من كلّ من رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة والقياديين فارس سعيد، ساسين ساسين، إدي أبي اللمع، سمير فرنجية.
أما أهمّ ما سيحمله الاحتفال المنتظر فهو «الوليد الشرعي الجديد» لقوى «14 آذار»، ألا وهو «المجلس الوطني» الذي تعود فكرته للعام 2011، ويفترض أن يبصر النور في الذكرى إذا لم يطرأ أيّ تعديل، على أن تكون مهمّته «معنوية» تقوم على مراقبة سياسات «14 آذار» وإصدار تقارير فصلية بشأنها. وإذا كان هذا المجلس «المصغّر» يتألف من رئيس ونائب له، وستة أمناء سرّ، ينتخبون خارج القيد الطائفي، على أن تقتصر ولايته على سنتين، فإنّ المصادر تشير إلى أنّه سيكون محاولة لإعادة الاعتبار لـ«الثوار الأوائل»، وتحديدًا للمجتمع المدني الذي سيكون له ممثلون فيه، بعد سنواتٍ طويلة من التغييب والتهميش.
هكذا إذاً، خرجت قوى «14 آذار» بصيغة «مبتكرة» لسنويتها العاشرة، صيغة «تقفز» فوق كلّ خلافاتها المعلنة وغير المعلنة، صيغة تلجأ لـ«التنظيم» لعلّه يرمّم ما يقدر على ترميمه، صيغة تتسلح أولاً وأخيرًا بسلاح «البكاء على الأطلال» لاستعادة أمجاد «الزمن الجميل» حتى لا يصبح من «الماضي»!