بين ليلة وضحاها، ومن دون سابق إنذار، هبّت بشكل مفاجئ رياح انتخاب الرئيس التوافقي، بعدما أوحت كل الدول المعنية من الولايات المتحدة الأميركية إلى عواصم القرار الأوروبي والدول العربية، أنها تدعم مثل هكذا توجّه، لا سيما وأنها جميعها كانت قد أعلنت تخوّفها من إطالة أمد الشغور الرئاسي. وعلى هذه الخلفية، أعطي الضوء الأخضر لإطلاق الحوار بين تيار «المستقبل » و «حزب الله »، والذي هو أيضاً حظي بموافقة ومباركة سريعة من هذه الدول، خصوصاً وأن عاصمة الكثلكة في الفاتيكان تضغط باتجاه الدول الكبرى المعنية، ولا سيما فرنسا وروسيا للسعي إلى إنهاء حالة الشغور الرئاسي القائمة، بعدما وصل الوضع السياسي في لبنان إلى حالة من الهريان والتأزّم على الصعد كافة الأمنية والإجتماعية والإقتصادية.
لكن هذه المبادرات، وبحسب مصادر نيابية في 14 آذار، ستصطدم أولاً بالخلافات المسيحية ـ المسيحية، والتي ترتقي إلى مستوى الخلاف المصيري، وليس فقط الإستحقاق الرئاسي، إذ أن العماد ميشال عون طرح أخيراً أن الأولوية لديه هي للجمهورية وليس للإنتخابات الرئاسية. من هنا، فإن كافة المبادرات الهادفة إلى التفاهم على مؤهلات الرئيس العتيد وموقعه الوسطي ودوره كعامل رئيسي في انتظام عمل المؤسّسات الدستورية، قد باتت محكومة مسبقاً بالمعادلة المطروحة من قبل العماد عون الذي قطع أي أمل لإمكان الخروج من حال الضياع والإحباط السائدة على الساحة المسيحية، كما على الساحة الوطنية. لذلك، تابعت المصادر نفسها، فإن عودة الموفد الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى بيروت ستحسم المقاربة الأوروبية للإستحقاق الرئاسي، وستحدّد صورة هذا المشهد، وذلك على الرغم من كل التوقّعات التي ظهرت غداة زيارته الأولى، وألمحت بإمكان الخروج من النفق المسدود، وطرح حوار يشمل غالبية القوى الفاعلة للتفاهم على اسم رئيس جديد للجمهورية يعيد التوازن إلى الواقع السياسي الداخلي، ويحدّ من الإنهيارات في قطاعات الدولة ويملأ الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، مما سيسمح بالتالي إلى تحقيق المطالب المطروحة بشكل خاص من العماد عون، وهو إقرار قانون إنتخاب جديد يؤمّن التمثيل الحقيقي للمسيحيين في مجلس النواب، ويسرّع بالتالي عملية إجراء إنتخابات نيابية وتقصير مهلة التمديد للمجلس النيابي.
في المقابل، أردفت المصادر النيابية عينها، فإن موقف العماد عون يحدّد خارطة الطريق أمام المرحلة المقبلة، خاصة وأن ما يطرحه يلاقي إجماعاً من غالبية فريق الثامن من آذار، خصوصاً لجهة رفضه انتخاب رئيس سيقوم فقط بإدارة الأزمة، ويعجز عن إيجاد الحلول للأزمات المتعدّدة، لكن كلامه عن الجمهورية الثالثة غير قابل للترجمة، وبالتالي فهو مؤشّر على استمرار انسداد الأفق رغم كل الكلام الإيجابي والحديث عن لقاءات مرتقبة لمقاربة الأزمة الرئاسية، وهذا الموقف قد بات جلياً بالنسبة للديبلومسيين الأوروبيين الذين يزورون بيروت، وكان آخرهم الموفد الخاص للرئاسة الفرنسية جان فرانسوا جيرو، والذي خصّص لقاءاته في لبنان للملف الرئاسي. واعتبرت المصادر ذاتها، أن المواقف الإقليمية ما زالت غامضة في الشكل وسلبية في المضمون من أي حلحلة للأزمة الرئاسية، الأمر الذي يجعل من مهمة الديبلوماسيين الروسي والفرنسي البحث عن الحلول في العواصم الإقليمية وخصوصاً في طهران، علماً أن جيرو سبق وأن عرض ملف التسوية الرئاسية اللبنانية مع مسؤولين الإيرانيين إلا أنه عاد خالي الوفاض بعدما أكدوا له أن مفتاح الحل ليس في طهران إنما هو في بيروت، ومع العماد عون شخصياً.
وختمت المصادر النيابية في 14 آذار، أنه على الرغم من كل هذه المستجدات والحراك الديبلوماسي المستعر والسجال الداخلي، فإن كلمة السر عندما تأتي من عواصم القرار، لا بد وأن تسلك التسوية طريقها إلى الحلّ من دون النظر إلى أي عوامل داخلية، تماماً كما حصل في «الدوحة » حيث فرضت التسوية نفسها على الجميع، وكان انتخاب الرئيس ميشال سليمان.