تظهر التطورات المتسارعة، كماً ونوعاً، ان لا صوت يعلو على صوت معركة القلمون، التي يزداد الانقسام اللبناني حولها. امر اكدت عليه إطلالة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، في توقيت سياسي وعسكري منتظر، مستبقة تلك المقررة أساسا يوم السبت في 24 الجاري بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة للتحرير، بعد استقرار قيادة الحزب على ضرورتها، بهدف إعلان نتائج معركة القلمون، ولقطع الطريق على ما تثيره بعض وسائل الإعلام حول استياء الحزب من موقف الجيش الرافض تقديم المؤازرة وحصره تدخله بمواجهة هؤلاء ان هم حاولوا التسلل الى الداخل اللبناني، حملت رسائل في اكثر من اتجاه على ما درجت العادة.
فالكلمة التي أرادها السيد نصر الله اعلانا للانتصار في موقعة القلمون، رأت فيها بالمقابل اوساط 14 آذار دليلا واضحا على ضعف الحزب وارتفاع وتيرة استنزافه، ما حتم استعجالا في الظهور لطمانة جمهور المقاومة، خاصة انه ترك تاريخ نهاية المعارك معلقا، دون الحديث عن الخسائر التي طالت المسلحين، وتفند المصادر نفسها ما جاء في كلمة السيد نصرالله بالاتي:
-على الصعيد العسكري المرتبط مباشرة بمعارك القلمون كان لافتا تركيز السيد على الحصيلة المنخفضة للخسائر في صفوف الحزب، بعد اللوائح الاسمية التي تم نشرها عبر الانترنت متضمنة عشرات الاسماء، في تأكيد على حسن الاداء القتالي والاستعدادات التي نفذها الحزب ونجاح استراتيجيته وخططه وهو ما ترجمته سرعة التقدم وقلة الخسائر، وفي هذا المجال يرى المراقبون ان الرسالة الاساسية موجهة الى الخارج القريب كما البعيد بقدر ما هي موجهة الى الداخل، معربين عن اعتقادهم ان خطابه السبت المقبل في ذكرى الانسحاب الاسرائيلي سيكون متمما على هذا الصعيد.
– رده على الكلام عن المخاوف من انتقال المعركة الى داخل عرسال بطريقة غير مباشرة، عبر «تطمينه» المعنيين بان تحركات المسلحين في تلك المنطقة لن تواجه من قبل حزب الله بل من قبل الشعب، في اعادة احياء واضحة لمعادلة «الشعب والجيش والمقاومة»، «تهديد» وضعته المصادر في 14 آذار في باب الضغط على الدولة والجيش والحكومة للانخراط في معركة جرود عرسال التي اصر على ان الحزب لن يتمدد للقتال فيها وسط تسريبات الثامن من آذار عن ارتفاع وتيرة تسلل المسلحين اليها بعد الهزيمة التي منوا بها في القلمون. وهو ما التقى مع كلام وزير الخارجية جبران باسيل.
– الكلام واضح شكلا حول عدم رغبة الحزب في توريط الجيش اللبناني في الحرب الدائرة، رغم العتب الذي وصل مسامع قائد الجيش وترجم حملة لم تستمر طويلا ضد المؤسسة العسكرية على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل مناصرين للحزب، اذ تشير المصادر في هذا الصدد ان قيادة حزب الله وقوى الثامن من آذار ضغطت بقوة، قبيل انطلاق معركة القلمون، باتجاه تفعيل التعاون والتنسيق مع الجيش السوري، الا ان جواب اليرزة كان واضحا بان الجيش لن يستدرج إلى أي حرب خارج الاراضي اللبنانية، وان مهمة وحداته محصورة في مواجهة وصد أي اعتداء على الأمن الوطني والسيادة اللبنانية.
– محاولته التنصل من اي اذى قد يلحق بالعسكريين الاسرى، تؤكد مصادر 14 آذار، بعد موجة الاتهامات التي اطلقها اهالي العسكريين بحق الحزب على خلفية الاذى الذي قد يلحق باولادهم نتيجة الاعمال العسكرية الجارية، تزامنا مع حملة مضادة تحدثت عن اقتراب الحزب من تحريرهم خلافا للواقع، اذ تؤكد المصادر في 14 آذار ان الاسرى موجودون في منطقة بعيدة نسبيا عن الاشتباكات وانهم لم يتواجدوا يوما في اي من النقاط التي جرى احتلالها خلال المواجهات الاخيرة.
– تجاهله التام لملفين داخليين يشغلان الساحة السياسية حاليا، الاول، تخطيه للتداعيات التي فجرها الحكم الصادر في قضية الوزير السابق ميشال سماحة، كما فعل قبله العماد عون، رغم حملة الحزب المدافعة عن المحكمة العسكرية، رغبة منه على ما يبدو، بحسب المصادر في 14 آذار، في عدم زيادة الاحتقانات التي اتخذت في بعض جوانبها طابعاً مذهبياً، والثاني مسألة التعيينات الأمنية والعسكرية التي يخوض معركتها تكتل الاصلاح والتغيير، التي آثر مقاربتها مكتفيا بالدعوة الى درس الاقتراحات التي طرحها «الجنرال» في مسألة رئاسة الجمهورية دون التطرق لهذه المسالة تحديدا، اعتقادا منه بامكانية استغلال الفرصة التي لا تزال مفتوحة امام تسوية محتملة.
– رد التحية للعماد عون باحسن منها، بعدما كان رضخ الاخير على حدّ قول مصادر 14 آذارلتمنيات حزب الله بعدم التصعيد خلال مؤتمره الصحافي الاخير، مراعيا أولوية حليفه الشيعي في محاربة الجماعات التكفيرية باعتبارها في الوقت الراهن اولوية مسيحية، وقد صبت رسائل السيد في هذا الاتجاه داخليا، اذ جاءت مكملة لما اعلنه العماد عون، بلهجة تهديدية مبطنة، قرأ الكثيرون بين سطورها ملامح ما يحكى عن مؤتمر تاسيسي يسعى حزب الله الى حدوثه بهدف اسقاط مفاعيل الطائف وتوازناته على صعيد تقاسم السلطة في البلد.
– ولعل من ابرز ما قاله مقارنته للسعودية باسرائيل، الذي اجل ملفها الى الاسبوع المقبل، عند مقاربته لملفات المنطقة من سوريا والعراق وصولا الى اليمن والبحرين، في اشارة واضحة الى ان ساحة المواجهة اصبحت واحدة على كل تلك المساحة الجغرافية، وبالتالي استعداد الحزب في مرحلة لاحقة وفقا لتطور الامور للتعامل مع المملكة كما يتعامل مع اسرائيل. وتشدد المصادر في هذا السياق بأن الحزب ذهب بعيدا في مواجهته مع السعودية مع تعرضه لاشخاص الاسرة المالكة وهو ما لا يمكن للرياض ان تهضمه على حدّ قول المصادر في 14 آذار، معيدة التذكير بان احد اسباب الهجوم ضد الرئيس السوري هو عبارته الشهيرة يوم تحدث عن «اشباه رجال»، ضاربة مثلا آخر هو النائب وليد جنبلاط الذي لم تستو علاقته حتى الساعة مع المملكة رغم كل محاولاته المتكررة لتصحيح ما اعتبره زلة لسان يوما.