عشية إحياء الذكرى الحادية عشرة لقوى الرابع عشر من آذار يكثر الكلام داخل الوسط السياسي اللبناني حول ما آلت إليه هذه القوى، وماذا بقي منها، وبكلام أكثر وضوحاً هل ما زالت موجودة على الساحة الداخلية، وأي تأثير بقي لها، وما الجدوى أصلاً من وجودها. وذهب البعض من المغرضين إلى حدود التشكيك في إمكان اجتماعها أو جمعها تحت سقف مناسبة الرابع عشر من آذار.
وأول المغرضين، وهذا حقّهم، هم فريق الثامن من آذار مَنْ تولّى مهمة الترويج لانتهاء قوى الرابع عشر من آذار، واستحالة إعادة بنائها الذي تهدّم وتناثرت حجارته بعد الخلاف بين أكبر مكوّنين فيه وهما تيّار المستقبل وحزب القوات اللبنانية على مَنْ يسبق الآخر في تسليم مقاليد الدولة إلى فريق الثامن من آذار بقيادة حزب الله حامل مشروع تعديل أو تغيير الطائف، وجعل هذا البلد ملحقاً بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، إيهام الآخرين بأنه لا يزال تحت سقف الطائف الذي كرّس الصيغة اللبنانية التي يتغنّى اللبنانيون بفرادتها في عالم تغلب عليه العنصرية.
غير أن هذا الفريق الذي يتأكد كل يوم يمر على الأزمة اللبنانية أنه ماضٍ في مشروعه هذا إلى النهاية ولن يتراجع عنه إلا مكرهاً، ينسى أو يتناسى أن الخلاف الحالي بين تيّار المستقبل والقوات اللبنانية، أكبر مكوّنين في قوى الرابع عشر من آذار، على التسابق لتسليم مقاليد الدولة بدءاً بانتخاب رئيس جمهورية من بين مكوّناته، لم يكن الأول ولن يكون الأخير إذ أنه سبق أن اختلفا في السياسة على أمور أكثر أهمية كقانون الإنتخابات النيابية الذي يُعتبر الركن الأساسي لإعادة تكوين السلطة ثم عادا واتفقا ولم تتأثر جماهير الرابع عشر من آذار بهذا الاختلاف أو الخلاف لأنها في الأساس حركة جماهيرية بل ثورة شعبية سمّيت عن حق ثورة الأرز قامت على مبادئ وثوابت وطنية ولم تكن تابعة لهذا التيار أو ذاك كحال غيرها في الفريق الآخر المعرّف عنه بفريق حزب الله، بل شكّلت هذه الجماهير الأرضية الصلبة المتماسكة والمصمّمة على متابعة السير في المسار الذي رسمته في 14 شباط قبل إحدى عشرة سنة مضت، وفرضت على كل الآخرين، التراجع عن الخطأ بعد الإعتراف به.
وثورة الأرز التي صنعت قوى 14 آذار ما زالت هي هي، كبرت وتوسعت وأصبحت أكثر تمسكاً بمبادئها وثوابتها رغم الأخطاء الكثيرة التي وقعت فيها قياداتها، والتي لم تقتصر على سوء الإدارة فحسب بل ولا على تغييب مشروع ثورة الأرز بل على أمور كثيرة أخرى أقل أهمية، لكنها مؤثرة على المسار العام لثورة الأرز، وبالتالي لا نرى بأن الخلاف أو الاختلاف، كما يحرصون على تسميته، يمكن أن يُنهي 14 آذار وإن كان يؤثّر سلباً على مسار حركتها، بل سيكون وفقاً لحتمية التاريخ عبرة للمختلفين حتى لا يتكرر مستقبلاً، وستبقى قوى 14 آذار كما كانت لأنها حركة شعبية ولن تنتهي وإن تشظت بفعل الاختلافات أو الخلافات في الرؤى والرؤية.