تظهر التطورات التي تشهدها البلاد منذ ما بعد عملية شبعا ورد حزب الله في مزارع شبعا ، وصولا الى البلاغ رقم 2 للسيد حسن نصر الله، التي اتبع بآخر حمل توقيع «جبهة النصرة» من دمشق، خلط اوراق محلي – اقليمي- دولي تقول مصادر في 8 آذار، يضع لبنان على فالق زلزالي يمتد من تل ابيب مرورا بدمشق وصولا الى طهران وما بعد بعدها الى صنعاء وواشنطن، من ما كشفته الواشنطن بوست بداية، الى احداث صنعاء، واكتشاف ما يعتقد بانه نفق على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية عند مستوطنة «زرعيت»، وليس انتهاء بزيارة الموفد الفرنسي فرنسوا جيرو الى بيروت.
فمنتصف الأسبوع سجل «حزب الله» تعادلا و«حبة مسك»، في عمليته في مزارع شبعا، مع العملية الاسرائيلية في القنيطرة، ونهاية الأسبوع، صعّد أفيغدور ليبرمان وأعلن حل «المقاومة الاسلامية» من قواعد الاشتباك، وتأكيده ان الرد من الآن فصاعدا سيكون كيفما ومتى وأين تشاء. فـ«ليبرمان» الذي أقر بأن «حزب الله» فرض قواعد جديدة على اسرائيل، ووصف الحزب بالأكثر جرأة وتصميما واستفزازية، اكد ان العملية الرابعة في قطاع غزة أمر لا مفر منه، وان الحرب الثالثة على لبنان أمر لا مفر منه.
في خضم هذا التصاعد في النبرة الكلامية السجالية، وتواتر التطورات الميدانية الموضعية وإنما الحساسة أيضا، حاولت «جبهة النصرة»،تقول مصادر متابعة، المعادلة بدورها في المواجهة مع «حزب الله»، واستطرادا مع خطاب السيد نصرالله في الشقِّ المتعلق بها، بتبنيها تفجير حافلة الركاب اللبنانية في وسط دمشق. فإذا صح ان الجبهة هي التي نفذت التفجير عبر«الانغماسي» السعودي أبو معاز الانصاري، بحسب ما تداولته الحسابات العائدة للنصرة على وسائل التواصل الاجتماعي ، فإن المفارقة الزمنية في الأمر، تتمثل بأن التفجير حصل بعد أربع وعشرين ساعة من نشر صحيفة «الواشنطن بوست» الطريقة التنسيقية بين الـ«موساد» والـ«سي.آي.اي» ، في اغتيال عماد مغنية في دمشق في شباط 2008، أي قبل سبعة أعوام بالتمام.
اعتراف حمل اكثر من رسالة في اكثر من اتجاه بحسب العالمين بكواليس المزايدات على خط العلاقات المتوترة بين تل ابيب وواشنطن، في لحظة وفي توقيت غير برىء. فمن جهة جاء الاعتراف كتحذير لنتانياهو المصر على سياساته الاحادية التي قد تعود بالضرر على امن اسرائيل في حال استمرار التوتر مع واشنطن، رغم التأكيد الأميركي الدائم على أنّ إسرائيل لم ولن تكون متروكة، ولعلّ توقيت «الاعتراف» بعد عملية مزارع شبعا التي أعلن فيها «حزب الله» تغييره لقواعد الاشتباك يصب في هذا الاتجاه تحديدا. علما ان المصادر المطلعة لم تستغرب ما كشفته الـ«واشنطن بوست» ، مرجحة أن يكون سبب إعلان ذلك في هذا الوقت هو محاولة الولايات المتحدة التغطية على عملية القنيطرة الاخيرة وتحميل إسرائيل وحدها المسؤولية للتأكيد مجدّدًا أنّهما ينسقان معًا وبالتالي للحد من أيّ عمليات جديدة تستهدف الجيش الاسرائيلي.
قراءة تداعيات «المستور المكشوف» اضافت انقساما جديدا الى الساحة السياسية اللبنانية، ففريق الرابع عشر من آذار، وبحسب اوساط نيابية فيه، يستبعد اي «تداعياتٍ محتملة» للإقرار الأميركي، مصنفا الموضوع باعتباره «كلام صحف» لا يرقى الى الموقف الرسميّ، وبالتالي فهو لن يقدّم ولن يؤخر شيئًا في المعادلة، منطلقة في تحليلها من أنّ الولايات المتحدة ليست «عدوة» للبنان، بل على العكس فهي قدّمت له دعمًا معنويًا وماديًا في الكثير من المحطات، ليس آخرها ما كشفته أرقام موازنة العام 2016 المعروضة امام الكونغرس والتي لحظت حصة للبنان من المساعدات الاميركية أن بلغت 110 مليون دولار،«كدعم للمؤسسات التي تقوي الاستقرار الداخلي والاقليمي ولمحاربة التطرف والدفع بالنمو والشفافية الاقتصادية، بوصف الاستقرار ونهج الحكم في لبنان يساهمان في تعزيز السلام في الشرق الأوسط ويخدمان الأمن القومي الأميركي» . هذا عدا عن الشق الدفاعي الذي يقدمه البنتاغون للجيش اللبناني والمتوقع أن يصل إلى 80 مليون دولار.
«تبسيط» يثير حفيظة فريق الثامن من آذار ، الذي تلفت مصادره الى أنّ الدولة اللبنانية مدعوة لاتخاذ موقف ، خاصة في ظل التعاون والتنسيق القائم بين المخابرات الأميركية الفاعلة على الساحة الداخلية وبين الأجهزة الأمنية اللبنانية، معتبرة ان تاريخ واشنطن في العمل الامني في لبنان ليس بعيدا عن استخدام هذه الاساليب من تفجير بئر العبد العام 1984 الذي اودى بعشرات الاشخاص وصولا الى محاولاتها المتكررة في اختراق حزب الله ، فضلا عن تغطيتها الواضحة والعلنية للحروب الاسرائيلية المتكررة على لبنان.
وسط تلك المعمعة وضعت مصادر وزارية الانفجار الذي استهدف حافلة الزوار اللبنانيين الى المقامات الدينية في دمشق في خانة من اثنتين: اما اسقاط شعار حماية مراقد آل البيت الذي اعتمده حزب الله في بداية تورطه العسكري في سورية كمبرر لهذا التورط، بالدليل الملموس على العجز عن تأمين حماية الزوار بعد ثلاث سنوات ونيف من هذا التورط، واما محاولة لتعميم الفتنة السورية على الداخل اللبناني رهانا على ردات فعل عشوائية من جانب ذوي الضحايا، وبالتالي التغطية على التطورات المترتبة على انهاء حزب الله لقواعد الاشتباك مع اسرائيل او تسعير هذه التطورات على حساب الاستقرار النسبي الذي ترفل فيه الاوضاع اللبنانية رغم هشاشتها الامنية والسياسية، ملاحظة انه في حين اعلنت جبهة النصرة مسؤوليتها عن التفجير الانتحاري ووزعت صورة زعمت انها للمنفذ ابو معاذ الانصاري كمنفذ للعملية، اجمع الخبراء وركاب الحافلة على القول ان عبوة لاصقة هي التي انفجرت بدليل العثور على عبوة اخرى مماثلة لها في الجانب الخلفي من الحافلة لم تنفجر.
وبمعزل عن هذه الشواهد، فإن المصادر ترى انه من المبكر الحسم بكيفية التفجير، وبالتالي لا تستبعد ان تكون العملية من فعل انتحاري مزود بحزام ناسف، خصوصا ان ركاب المقاعد الخلفية في الحافلة فوجئوا بالانفجار الامامي دون ان يتبينوا وقائعه، اما الذي كان بوسعهم تبيان الحقيقة فقد سقطوا بين قتيل وجريح، رغم ان مصادر المعارضة السورية قرأت في استهداف الحجاج اللبنانيين في قلب دمشق ، رسالة في اكثر من اتجاها، اولا باتجاه سوريا والنظام بأن العاصمة مخترقة وبشكل كبير، ثانيا باتجاه لبنان وبالتحديد «حزب الله» وثالثا باتجاه المجتمع الدولي.